شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

في الاصطلاح:

صفحة 255 - الجزء 1

  كان في الأول جديدا وفي الثاني كلا.

  على أن هذا لازم لهم في الكسب، فيقال: كان يجب إن قدر أحدنا على الاكتساب، أن يقدر في الثاني على اكتساب مثل ما اكتسبه أولا، فإذا لم يجب ذلك هاهنا كذلك في مسألتنا.

  ومما يتعلقون به أيضا، قولهم: إن الواحد منا لو كان محدثا لتصرفاته لوجب أن يسمى خالقا لها والأمة قد اتفقت على أن لا خالق إلا اللّه، وقد نطق به الكتاب أيضا.

  قال اللّه تعالى: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ}⁣[فاطر: ٣] وقال: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ}⁣[الرعد: ١٦] الآية.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أنا لو خلينا وقضية اللغة، لأجرينا هذا اللفظ على الواحد منا كما نجريه على اللّه تعالى لأن الخلق ليس بأكثر من التقدير، ولهذا يقال، خلقت الأديم هل لحي منه مطهرة أم لا؟ وقال زهير:

  ولأنت تفري ما خلقت ... وبعض القوم يخلق ثم لا يفري

  وقيل للحجاج: إنك إذا وعدت وفيت، وإذا خلقت فريت، أي إذا قدرت قطعت.

  وأظهر من هذا كله قوله تعالى: {وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي}⁣[المائدة: ١١٠] وقوله تعالى: {فَتَبارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ}⁣[المؤمنون: ١٤]، فلو لا أن هذا الاسم مما يجوز إجراؤه على غيره وإلا لتنزل ذلك منزلة قوله:

  فتبارك اللّه أحسن الآلهة، ومعلوم خلافه.

في الاصطلاح:

  وأما في الاصطلاح فإنما لم يجز أن نجري هذا اللفظ على الواحد منا، لأنه عبارة عمن يكون فعله مطابقا للمصلحة وليس كذلك أفعالنا، فإن فيها ما يوافق المصلحة وفيها ما يخالفها، فلهذا لم يجز إجراء هذه اللفظة على الواحد منا لا لشيء آخر. وأما قوله تعالى: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} فليس فيه ما ظنوه لأن فائدة الكلام معقودة بآخره، وقد قال تعالى: {هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ}⁣[فاطر: ٣]، ونحن لا نثبت خالقا غير اللّه يرزق، وقوله تعالى: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ} الآية. فإنها مما لا يصح التعلق بظاهرها لأنها نفي التساوي، وما هذا سبيله من الآيات فهي مجملة