شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

لا كلام في تقبيح التكليف لما يطاق، وإنما الكلام في وجه قبحه:

صفحة 270 - الجزء 1

  تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق افترقوا فرقتين:

  فمنهم: من قال إن ذلك ليس بتكليف لما لا يطاق.

  ومنهم: من جوز أن يكلف اللّه تعالى العبد ما لا يطيقه. وقال: إنه ليس في العقل قبحه، وإنما المانع منه السمع. وفي هؤلاء من جوز ذلك على اللّه تعالى، واستدل بقوله تعالى: {فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ}⁣[البقرة: ٣١] قال إن اللّه تعالى كلفهم الإنباء مع أنهم لا يقدرون عليه، وهو ابن أبي بشر المخذول وأصحابه.

  والكلام عليهم هو أن نقول: كل عاقل يعلم بكمال عقله قبح تكليف الزّمن بالمشي وتكليف الأعمى بنقط المصاحف على وجه الصواب، والدافع له مكابر جاحد للضروريات، ومن هذا سبيله فإنه لا يناظر، وعلى هذا فإن النّظام لما ناظره مجبر وانتهى بهما الكلام إلى أن قال له المجبري: ما الدليل على قبح التكليف لما لا يطاق؟

  سكت النظام وقال: إن الكلام إذا بلغ إلى هذا الحد وجب أن نضرب عنه رأسا.

  فإذا لا كلام في ذلك، وإنما الكلام في وجه قبحه.

لا كلام في تقبيح التكليف لما يطاق، وإنما الكلام في وجه قبحه:

  فعندنا، أنه إنما يقبح لكونه تكليفا لما لا يطاق، بدليل أنا متى عرفناه على هذه الصفة عرفنا قبحه وإن لم نعلم شيئا آخر، ومتى لم نعرفه على هذه الصفة لم نعرف قبحه وإن عرفنا ما عرفنا. وأما قوله تعالى: {أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ} فإنما قال ذلك تعريفا لهم بالعجز عن الإنباء لا أن ذلك تكليفا، وعلى هذا لو كان تكليفا لكان تكليفا لما لا يعلم، وذلك مما لا يجوزه القوم وإن أجازوا تكليف ما لا يطاق.

  ومن العجب أن هذا المخذول كان يستدل بالسمع على المسائل، وعلى هذه المسألة خاصة، مع تجويزهم سائر القبائح من الكذب وإظهار المعجز على الكذابين وغير ذلك على اللّه تعالى، مع أن كلام اللّه تعالى إنما يكون حجة إذا ثبت أنه لا يكذب، فأما والكذب جائز عليه فكيف تقع الثقة بقوله، وما الأمان له من أن هذا الذي يقع الاحتجاج به من الكذب الصراح ليس بالكذب؟.

  ثم إن قاضي القضاة عارضه بقوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها}⁣[البقرة: ٢٨٦] وإنما أورد هذه الآية على طريق المعارضة والاستئناس، لا على طريق الاستدلال والاحتجاج، لأنا قد ذكرنا أن كل مسألة تقف صحة السمع عليها،