شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

ما يتصل بهذا الدليل من الكلام على أصحاب المعارف وأبي القاسم

صفحة 27 - الجزء 1

  الضرورية، فكما أنها تنقسم إلى ما يمكنكم دفعه لأن ما يفعله اللّه تعالى منها أقل مما في مقدوركم من أضدادها، وإلى ما لا يمكنكم دفعه لأن ما يفعله اللّه تعالى منها أكثر مما في مقدوركم من أضدادها، كذلك في مسألتنا.

  ومنها، أنه لو كان يعلم باللّه تعالى ضروريا لوجب أن يشترك العقلاء فيه، ومعلوم خلافه.

  إلا أن لقائل أن يقول: لا تجب هذه القضية في سائر الضروريات، وإنما تجب في بداية العقول، ولهذا فإن العلم بالصنائع والحرف ضروري، ثم لم يشترك العقلاء فيه.

  وقد استدل | على أنه تعالى لا يعرف ضرورة، بأن قال في الكتاب: لو كان العلم باللّه تعالى ضروريا لوجب أن يكون صفة للأمور المشاهدة، كما في العلم بأن الحلفاء تحترق بالنار، وأن الزجاج ينكسر بالحديد، وكالعلم بأن الظلم قبيح والعدل حسن، ومعلوم خلافه. إلا أن هذا مما لا يمكن الاعتماد عليه، لأن لقائل أن يقول: أليس اللّه تعالى يعلم ضرورة في دار الآخرة، ويعرفه المحتضر وإن لم يكن صفة للأمور المشاهدة، فهلا جاز ذلك في دار الدنيا؟

ما يتصل بهذا الدليل من الكلام على أصحاب المعارف وأبي القاسم

  واتصل بهذا، الكلام على أصحاب المعارف، وأبي القاسم البلخي. أما أصحاب المعارف فقد تعلقوا في ذلك بشبه:

  منها، أنه لو لم يكن العلم باللّه تعالى ضروريا، وكان من فعلنا، لكان يصح من الواحد منا أن يختار الجهل بدلا من العلم في الحالة الثانية من النظر، لأن من حق القادر على الشيء أن يكون قادرا على جنس ضده إذا كان له ضد، والمعلوم أنه لا يمكن ذلك، فليس إلا أن المعرفة ليست من فعلنا وإذا لم تكن من فعلنا كانت ضرورية على ما نقوله.

  والأصل في الجواب عن ذلك، أن الواحد منا إنما لم يمكنه إيقاع الجهل واختياره بدلا من العلم في الحالة الثانية من النظر، لأن العلم يحصل بسبب موجب، والجهل يحصل باختياره، وما يحصل بسبب موجب، بالوجوب أولى مما يحصل باختيار الفاعلين، وهذا مما لا شبهة فيه، فهذا هو الوجه في ذلك لا ما ظنوه.

  ومنها، أنهم قالوا: إن المكلف إذا لم يعرف في نظره أنه نظر صحيح يؤدي إلى