شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أفعال العباد

صفحة 307 - الجزء 1

  رغب فيه ووعد عليه بالثواب العظيم، ونهى عن خلافه وزجر عنه وتوعد عليه بالعقاب العظبم، فيجب أن يكون تعالى مريدا له على ما نقوله.

  وبعد، فإذا كان العبد مطيعا للّه تعالى بفعل الواجبات والنوافل وجب أن يكون اللّه تعالى مريدا لها، لأن المطيع هو من فعل ما أراده المطاع، بدليل قوله تعالى: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ}⁣[غافر: ١٨] أي لا يفعل ما أراده، ويدلك على ذلك أيضا قول سويد بن أبي كاهل:

  رب من أنضحت غيظا صدره ... قد تمنى لي موتا لم يطع

  أي لم يفعل له ما أراده.

  وكذلك قد روي، أن النبيّ ضرب بعقبه الأرض بين يدي عمه العباس فنبع الماء، فقال له عمه العباس: يا ابن أخ إن ربك ليطيعك، فقال له النبيّ : وأنت يا عم، لو أطعت اللّه لأطاعك.

  فإن قيل: هلا كان المطيع هو من فعل ما أمر به الغير؟ قلنا: إن الأمر إذا تجرد عن الإرادة لم يتميز عن النهي أو ما في معناه من التهديد، فكان يجب أن يكون العصاة كلهم مطيعين للّه تعالى بأن يفعلوا ما شاءوا لقوله تعالى: {اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ}⁣[فصلت: ٤٠]. وكان يجب أن يكون إبليس مطيعا للّه تعالى بأن يستفزّ من استطاع، وبأن يجلب على المكلفين بخيله ورجله لقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ}⁣[الإسراء: ٦٤] الآية، ومعلوم خلافه.

  وبعد، فإن العبد إذا فعل ما أراد السيد يكون مطيعا له وإن لم يصدر من جهته أمر، بأن بكون السيد ساكتا بل أخرس، والذي يوضح هذه الجملة ما قدمناه من قوله تعالى: {ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ}⁣[غافر: ١٨] استعمل الطاعة حيث لا يتصور الأمر، وكذلك فقول سويد يدل على ما ذكرناه.

  وأما المناجاة، فإنه تعالى لا يريدها ولا يكرهها لا في الدنيا ولا في الآخرة عند شيخنا أبي علي لأنه لا فائدة في ذلك، وحمل قوله تعالى لأهل الجنة {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً}⁣[الطور: ١٩] على الإباحة ولم يجعله أمرا.

  وأما عند أبي هاشم فإنه تعالى يريدها في دار الآخرة، قال: لأنه يتضمن هناك فائدة ما يتضمن في دار الدنيا، وهو أن أهل الآخرة إذا عرفوا أن اللّه تعالى يريد تلك المباحات منهم كان ذلك أهنى لهم وأطيب لهم، فصار سبيلهم سبيل الضيف إذا علم