شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أطفال المشركين لا يعذبون بذنوب آبائهم

صفحة 322 - الجزء 1

  تعالى على ما نقوله، وقوله: {كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ٣٨}⁣[المدثر: ٣٨] والطفل لم يكتسب إثما حتى يعذب.

  ومن السنة، ما روي عن النبي أنه قال: «رفع القلم عن الصبي حتى يبلغ» فبيّن أن القلم مرفوع عنه، ولن يكون كذلك إلا ولا يحسن تعذيبه، فصح أن تعذيب أطفال المشركين ظلم، وأنه تعالى لا يختاره.

  فإن قيل: إن ذلك وإن كان صورته صورة الظلم، فإنه لا يقبح من اللّه تعالى، قلنا: الظلم إذا قبح فإنما يقبح لوقوعه على وجه متى وقع على ذلك الوجه قبح من أي فاعل كان، سواء وقع من اللّه تعالى أو من غيره.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن ذلك لا يقبح منه لأنه مالك الرقاب وللمالك أن يفعل في ملكه ما شاء، بخلاف الواحد منا.

  قيل له: إنا كما نعلم قبح الظلم على الجملة اضطرارا ونعلم أنه إنما قبح لكونه ظلما، نعلم أنه لا يختلف باختلاف الفاعلين له سواء كان مالكا أو لم يكن مالكا.

  وبعد، فإنا لا نسلم أن للمالك أن يتصرف في ملكه كيف شاء، فإن أحدنا لو أنفق عمره في بناء دار، وزخرفها وزينها وبذل الجهد في تزويقها وتحسينها ثم أخذ في هدمها، فإنه يمنع من ذلك ويزجر ولا يمكن منه وكذلك لو حمل نفسه على المشاق العظيمة حتى حصل لنفسه رزمة من البرسيم ثم أراد أن يحرقها، فإنه يمنع من إحراقها وإشعال النار فيها ولا يمكن من ذلك، بل يصفع دونه.

  فإن قيل: إن أحدنا إنما يمنع من هذه الأمور ولا يحسن منه ذلك لأنه ليس بمالك حقيقة، قلنا: المالك ليس بأكثر من أن يجوز له التصرف فيه لا على طريق النيابة، وهذه حال الواحد منا، فكيف يمنع من كونه مالكا؟

  فإن قيل: إن هذه الأمور إنما تقبح من الواحد منا لأجل النهي وهو غير ثابت في اللّه تعالى. قيل له: إنا قد ذكرنا أن النهي لا تأثير له في قبح شيء من الأشياء، لولا ذلك وإلا كان يجب فيمن لا يعرف النهي ولا الناهي أن لا يعرف قبح هذه المقبحات من الظلم وغيره، ومعلوم أن هؤلاء الملحدة يعرفون قبح الظلم مع إنكارهم للأوامر والآمر والناهي، ومتى قالوا: إنهم لا يعرفون قبح الظلم على الحقيقة وإنما يعتقدونه، قلنا: هذا محال، ولو أمكن أن يقال ذلك هاهنا، لأمكن أن يقال مثله في التفرقة بين السواد والبياض، فيقال: إنهم لا يعرفون ذلك وإنما يعتقدونه، وقد عرف خلافه، ووجه