شبه المخالفين
  فإن قيل: إن ذلك إنما يحسن من الواحد منا لأن القديم تعالى قد ضمن في مقابلته أعواضا دائمة، قلنا: لو كان كذلك لكان يجب في من لا يعلم أن القديم تعالى قد ضمن في مقابلته أعواضا دائمة أن لا يحسن منه ذلك، والمعلوم أن أحدنا يستحسن بكمال عقله تحمل المشاق في الأسفار طلبا لمنافع منقطعة وإن لم يخطر بباله دوام العوض، ففسد ما ظنوه.
  فإن قيل: أليس الواحد منا يرد الوديعة ويقضي الدين ويترك الظلم وإن لم يخطر بباله دوام الثواب ويحسن منه ذلك، فهلا جاز أن يتحمل المشاق ويحسن منه ذلك، وإن لم يخطر بباله دوام العوض؟ وجوابنا أن الفرق بين الموضعين ظاهر، فإنك قد جعلت الوجه في حسن تحمل الواحد منا المشاق في الأسفار دوام العوض، فقلنا:
  فكان يجب فيمن لم يعلم ذلك وجوز انقطاعه أنه لا يعلم حسنه، وليس كذلك الحال في رد الوديعة وقضاء الدين، فإن وجه وجوبه ليس هو دوام الثواب، بل الوديعة إنما يجب ردها لكونها ردا للوديعة، وكذلك الكلام في قضاء الدين، فكيف يقاس أحدهما على الآخر؟
  وأيضا فلو استحق العوض على طريقة الدوام، لكان يبلغ حال اللصوص في بعض الأوقات إلى حال المثاب بحيث لا يمكن الفصل بينهما، وذلك يقدح في حسن التكليف في الثواب، لأنه ما من قدر من العوض إلا ويجوز التفضل به والابتداء بمثله، فكان يجب مثله في الثواب، وذلك يوجب قبح التكليف على ما ذكرناه. فهذه جملة ما يدل على أن العوض لا يستحق على طريقة الدوام.
شبه المخالفين
  وللمخالف في هذا الباب شبه.
  من جملتها، هو أنهم قالوا: إن القول بانقطاع العوض يدخلكم في القول بدوامه على أقبح الوجوه، لأن المعوّض إذا انقطع عن العوض يلحقه بذلك ألم وغم ويستحق بذلك الألم عوضا آخر، والكلام في ذلك العوض كالكلام في هذا فيدوم ولا ينقطع على ما ذكرناه.
  والجواب عن ذلك: ليس يجب إذا انقطع عنه العوض أن يلحقه بذلك ألم وغم لأنه يعلم القدر الذي يستحقه في العوض، فإذا وصل ما يستحقه وزيادة لا يغتم إذا انقطع عنه ولا يتألم به، وصار الحال فيه كالحال في الثواب، فإن المثاب إذا رأى