حقيقة الكلام
  وإذ قد فرغنا عن ذكر شطر الخلاف في هذه المسألة، نعود إلى الكلام فيها، ونذكر حقيقة الكلام، وأنه الحروف المنظومة والأصوات المقطعة.
حقيقة الكلام
  إلا أن هذا لا يصح إيراده على طريق التحديد، لأن الحروف المنظومة هي الأصوات المقطعة، والأصوات المقطعة هي الحروف المنظومة على الصحيح من المذهب، الذي اختاره شيخنا أبو هاشم، فيكون في محد تكرار لا فائدة فيه.
  يبين ذلك، أن الأصوات المقطعة لو كانت أمرا زائدا على الحروف المنظومة لصح فيه طريقة الانفصال إذ لا علاقة، ولأن الحروف جمع، وأقل الجمع ثلاثة، وهذا يقتضي أن لا يكون الحرفان كلاما، وليس كذلك، فإن قولنا: مر، ومس، وقل، وكل، حرفان مع أنه كلام.
  فالأولى أن نقول في حده: هو ما انتظم من حرفين فصاعدا، أو ما له نظام من الحروف مخصوص.
  فلا يلزم على هذا أن لا يكون قولهم ق، وع، كلاما، لأن ق، وع، حرفان.
  يبين لك ذلك، إذا وقفت عليه، فإنك تقول في الوقف: قه، وعه. يدلك على هذا هو أنهم نصوا على أنه لا يصح الابتداء إلا بالمتحرك، ولا الوقف إلا على الساكن، فلو لا أن: ق وع حرفان، وإلا فكيف يصح الابتداء به والوقف عليه، فصح ما قلناه.
  ولا يعاب علينا تحديدنا الكلام بما له نظام، فإن أكثر ما في ذلك أنه تحديد بالمجاز، وذلك سائغ.
  ولا يجب أن يكون مفيدا، بخلاف ما ذهب إليه شيخنا أبو هاشم، وإلا كانوا لا يعدون المهمل من أقسام الكلام وقد عرّوه منه.
  وأيضا فلو كان الكلام هو ما يفيد على ما يحكى عن أبي هاشم، لكان يجب في عقد الأصابع والإشارة بالرأس أنه يكون كلاما، ومعلوم خلافه.
  فهذا هو حقيقة الكلام، ولا فرق بين أن يكون مهملا أو مستعملا، أو أن لا يكون من حرفين مختلفين على ما مر لأبي هاشم في بعض المواضع، لأن المركب من حرفين متماثلين قد يكون كلاما أيضا، ألا ترى أن قوله ﷺ «ما أنا من دد ولا الدّد مني» كيف كان كلاما مع تركبه من دالتين؟ وهكذا فإنك تسمع الناس يقولون: كذلك،