شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

حكاية أبي الهذيل وبعض الحنابلة

صفحة 368 - الجزء 1

  عليها، فلو لم يكن الاسم والمسمى واحدا لكان لا يكون ذلك كذلك.

  وجوابنا أن هذه جهالة منكم مفرطة، لأن الاسم والمسمى لو كان واحدا لكان يجب إذا سمى أحدكم بعض النجاسات أن ينجس فمه، وإذا سمى بعض الحلاوات أن يحلو فمه، وإذا سمى شيئا من المحرقات أن يحترق فمه، وليس الأمر كذلك، فما كل من قال نارا أحرقت فمه وعلى هذا قال بعضهم:

  لو كان من قال نارا أحرقت فمه ... لما تفوه باسم النار مخلوق

  وأيضا، فكيف يتصور أن يكون الاسم والمسمى واحدا، مع أن الاسم عرض والمسمى جسم.

  وأما ما ذكره من الحلف، فإن أحدنا إذا أراد أن يظهر ذلك من نفسه لم يمكنه إلا بالعبارة عنه، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ ولو كان الأمر على ما زعمتموه لكان يجب في اللّه تعالى أن يكون محدثا فإن الحلف لا شك في حدوثه.

  وأما قولنا: ، فإنا إنما نقرؤه لما لنا فيه من اللطف، واللّه قد تعبدنا به.

  وقول لبيد: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما، مجاز، ونحن لا ننكر استعمال المجازات.

  وقولهم: ضرب زيد عمرا وطلقت زينب، فإن ذلك إنما انصرف إلى المسمى لأن أحدنا أراد أن يصرفه إليه.

  فإن قيل: إن كلامنا في الاسم، وما ذكرتموه كلام في التسمية، قلنا: لا فرق بين الاسم والتسمية، ألا ترى أنه لا فرق بين أن يقول القائل: سمى فلان فلانا تسمية حسنة، وبين أن يقول سماه اسما حسنا، ولهذا لو أثبت بأحدهما ونفى بالآخر تناقض الكلام.

حكاية أبي الهذيل وبعض الحنابلة

  وهاهنا حكاية جرت بين بعضهم مع شيخ من شيوخنا، هذا موضعها. ويحكى أن بعض الحنابلة ناظر أبا الهذيل في هذه المسألة، فأخذ لوحا وكتب عليه: اللّه، قال:

  أفتنكر أن يكون هذا هو اللّه وتدفع المحسوس؟ فأخذ أبو الهذيل اللوح من يده وكتب بجنبه: اللّه آخر، فقال للحنبيل أيهما اللّه إذن؟ فانقطع المدبر.