شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام على من منع نسخ الشرائع

صفحة 391 - الجزء 1

  بنيه وقد حظره موسى، وكذلك بعدها اختتن إبراهيم # في الكبر وأوجبه موسى في الصغر، وجاز الجمع بين أختين في شرع يعقوب ولم يجوز في شرع موسى.

  وعلى أن فيما ذكرتموه ما يقتضي ألا تضيفوا هذه الشريعة إلى موسى ولا تنسبوها إليه، وفي ذلك خروج عن اليهودية، والمعلوم من حالكم أنكم تضيفون هذا الشرع إلى موسى #، وتقولون: لا يجوز أن تكون نسبته إلى موسى كنسبته إلى يوشع.

  فإن قالوا: نعم، قد أتى موسى بنسخ شرائع من قبله من الأنبياء، ولا بد لهم من ذلك - وهو مذهب جماعة منهم - قلنا: فهلا اقتضى انقلاب الحق باطلا والباطل حقا، وهلا اقتضى أن يكون قد بدا للّه وظهر له من حال تلك الشرائع ما كان خافيا عليه تعالى اللّه عن ذلك.

  وأما الكلام على الفرقة الثانية، الذين قالوا إن نسخ الشريعة جائز من جهة العقل غير أن السمع منع منه، وهو قول موسى: «شريعتي لا تنسخ أبدا» فهو أن نطالبهم بتصحيح هذا الخبر عن موسى #، ولا يجدون إلى ذلك سبيلا. ومتى قالوا:

  إن هذا من الأخبار المتواترة فلا معنى لإنكاره، قلنا: لو كان كذلك لعرفناه نحن على طوال اختلاطنا بكم ومناظرتنا إياكم، ونحن لا نعرفه، فكيف يمكنكم ادعاء التواتر فيها.

  وقد أنكره العنانية من أصحابكم، وقالوا: إن نسخ الشريعة جائز من جهتي العقل والشرع، وأن من جاء بعد موسى من الأنبياء فإنما أنكرنا نبوتهم لما عدموا الأعلام المعجزة لا غير، ولو كان متواترا لعلموه.

  ثم يقال لهم: لا يخلو حال هذا الخبر من أحد وجهين، فإما إن يكون المراد به أن شريعتي لا تنسخ على يدي من معه معجز، أو على يدي من لا معجز معه. فإن أردتم به أن شريعتي لا تنسخ على يدي من لا معجز معه فإنا نوافقكم، وإن أردتم به أنها لا تنسخ على يدي من معه معجز، فإن ذلك مما لا يجوز أن يكون قد أراده موسى #، لأن ذلك مما لا يجوز أن يكون قد أراده موسى #، لأن ذلك يقدح في نبوته، ويكون لأمته أن يقولوا: فلم وجب اعتقاد نبوتك والانقياد لك، وقد جوزنا أن يكون هاهنا صاحب معجزة، لا يلزمنا متابعته والاعتقاد لنبوته والانقياد له.

  وإذا كان الأمر بهذه الصفة فلا وجه للأخذ بظاهر الخبر لو ثبت صحته، سيما وقد ثبتت نبوة محمد بالأدلة القاطعة فيجب أن يتأول، لأن كلام الأنبياء لا يجوز