شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل الفرق بين النسخ والبداء وحقيقتهما

صفحة 393 - الجزء 1

  قلنا: إنه إنما علم ذلك من جهة اللّه تعالى بأن يبين له أن صلاح أمة محمد لا يتغير عما هو عليه، ولا يمكنكم ادعاء هذه الطريقة في كلام موسى #، فبان الفصل بين الموضعين.

  فإن قالوا: إن شريعة موسى تشتمل على الأوامر والنواهي، والأمر بمطلقه يقتضي التكرار، وما هذا سبيله لا يصح ورود النسخ عليه. قلنا: أول ما في ذلك أن الأمر يقتضي التكرار بمطلقه عندنا، وإنما يفيد الفعل مرة واحدة، لأنه يتنزل منزلة قول القائل: أريد منك أن تفعل كذا، ومعلوم أن ذلك مما لا يقتضي الفعل إلا مرة واحدة، فكذلك الأمر فإنه في مثل حاله.

  وبعد، فلو ثبت أن الأمر بمطلقه يقتضي التكرار والدوام، فإنه لا يمنع من ورود النسخ عليه، بل يصح أن ينسخ كما يصح أن ينسخ غيره، لأجل أن دلالة الأمر على ما يدل عليه، كما هو مشروط بزوال العجز والمرض وما جانس ذلك، فلا بد أن يكون مشروطا بألا يتغير الصلاح، فأما إذا تغير فلا، وفي ذلك صحة ما قلناه من أن ما هذا سبيله يصح ورود النسخ عليه. وتفصيل الكلام في ذلك موضوعه أصول الفقه.

  فصح لك بهذه الجملة قول هؤلاء اليهود، الذين قالوا: إن نسخ الشرائع جائز من جهة العقل، غير أن الشرع منع من ذلك.

  وأما الكلام على الفرقة الذين قالوا: إن نسخ الشريعة جاء من جهتي الشرع والعقل، إلا أنا أنكرنا نبوة محمد نبيكم حيث عدم المعجز، فهو أن نبين لهم في فصل عقيب هذا الكلام، أن النبي لم يعدم العلم المعجز الدال على صدقه، وأن اللّه تعالى أيده بالأعلام الباهرة.

  وأما الذين قالوا: إن محمدا كان مبعوثا إلى العرب من دون سواهم، فإن الكلام عليهم هو أن نقول لهم: إنه إذا ادعى أنه مبعوث إلى الكافة ثم صدقه اللّه تعالى بالأعلام المعجزة، فإنه لا بد من أن يكون مبعوثا إلى الأحمر والأسود.

فصل الفرق بين النسخ والبداء وحقيقتهما

  إن قال قائل: ما الفصل بين النسخ والبداء وما حقيقتهما، فإن أكثر كلامكم المتقدم مبني عليه ويتعلق به. قيل له: