المؤثر في استحقاق المدح والثواب:
  ذكرناه، كان يكون القديم تعالى ظالما عابثا على ما تقدم عند الكلام في الآلام والأعواض.
  فإن قيل: هلّا كفى أن يستحق المكلف في مقابله هذه الأفعال الشاقة المدح؟ قيل له: لا، لأن المدح لا يقع به الاعتداد متى تجرد عن نفع يتبعه.
  وأيضا، فإن المدح لا يستحق من اللّه تعالى على الخصوص، بل القديم وغير القديم سواء في استحقاق المدح من جهته، وما يستحق في مقابلة التكليف فلا بد من أن يكون من فعل اللّه تعالى.
  ومتى قالوا: هلّا كفى المدح من جهة اللّه تعالى؟ قلنا: لا يقع الاعتداد به أيضا على ما ذكرناه.
  فإن قيل: كيف يصح قولكم هذا ومعلوم أن أحدنا يبذل جهده حتى يحمد السلطان أمره ويمدحه ولا يبالي بما يتحمله من المشاق في ذلك؟ قيل له: إنما يرغب في ذلك لما يرجو في الجاه والحشمة حتى لو تجرد المدح فإنه لا يرضى به ولا يختاره.
  فإن قيل: أوليس العرب بذلوا مهجهم وأموالهم طلبا للمدح والذكر، حتى عدوا الذكر عمرا ثانيا؟ قلنا لهم: إن ذلك أحد جهالاتهم التي يوصفون بها، وعلى كل حال فلا بد أن يكونوا اعتقدوا في ذلك نفعا يزيد على ما يلحقهم من المشاق، وصار ذلك كإيصائهم بعقر بعير وحبس فرس أو جمل على قبورهم، وبنصب الرماح ووضع السيوف، عليها، كل ذلك لما يعتقدون فيه في النفع العظيم.
  وبعد، فلو لم يكن في هذه الأفعال مشقة، وكنا نأتي بالواجبات ونتجنب القبائح لاستحققنا المدح، وإذا اعتراك في الواحد منا شك فلا شبهة في أنه تعالى يستحق المدح على فعل الواجب وترك القبيح، وإن كان لا تلحقه مشقة، فلا بد إذا من أن يكون بإزاء هذه المشقة ما يقابلها وهو الثواب على ما نقوله.
  وبعد، فإن المدح مما يمكن إيصاله إلى مستحقه من دون الإعادة، فكان لا يثبت للإحياء بعد الإماتة وجه، وفي علمنا بأنه تعالى يعيد الإحياء بعد الإماتة قطعا دليل على أنه لا بد من استحقاق الثواب، الذي لا يمكن إيصاله إليهم إلا بالإعادة، وهذا أيضا وجه.