شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

استحقاق العقاب:

صفحة 419 - الجزء 1

  أما الدلالة العقلية في ذلك، فدلالتان:

  إحداهما: أن القديم تعالى أوجب علينا الواجبات والاجتناب عن المقبحات، وعرفنا وجوب ما يجب وقبح ما يقبح، فلا بد من أن يكون لهذا التعريف والإيجاب وجه، ولا وجه له إلا أنا إذا أخللنا به أو أقدمنا على خلافه من قبيح ونحوه استحققنا من جهته ضررا عظيما.

  فإن قيل: ولم لا يجوز أن يكون الوجه في ذلك، أنا إذا أخللنا به وأقدمنا على خلافه استحققنا الذم من اللّه تعالى ومن جهة العقلاء.

  قيل له: إن الذم إذا تعرى عن ضرر يتبعه لم يحتفل به، ولهذا لا نبالي بذم هؤلاء المخالفين لنا لما لم يتبعه مضرة.

  فإن قيل: هلا جاز أن يكون الوجه في الإيجاب هو لكي يستحق من جهته الثواب.

  قيل له: لا، لأن الثواب نفع وطلب النفع لا يجب، فالإيجاب لأجله لا يحسن، لولا ذلك وإلا كان يحسن منه إيجاب النوافل، فإن بها أيضا يستحق الثواب، ومعلوم خلافه.

  فإن قيل: هلا حسن منه هذا الإيجاب لوجوب هذه الواجبات؟ قيل له: إن وجوب الشيء في نفسه لا يكفي في حسن الإيجاب، ولهذا فإن من خوفه السلطان بقطع عضو من أعضائه إن لم يشاطره على ماله، فإنه يجب عليه أن يشاطره على ما له وإن كان لا يحسن من السلطان ذلك الإيجاب.

  فإن قيل: يلزم على هذا تجويز أن يوجب اللّه تعالى القبائح، ويقبح الواجبات، ومتى امتنعتم من ذلك فلا ذلك: إلا لأن الإيجاب إنما يجوز ويحسن لوجوب الشيء في نفسه. قيل له: إن ما ذكرته مما لا يلزمنا، لأنا قلنا، لا يكفي وجوب الشيء في حسن الإيجاب، بل لا بد من اعتبار أمر آخر وهو استحقاق الضرر إن أخللنا به، وإنما كان يلزم ذلك، أن لو قلنا: لا يجب فيما أوجبه اللّه تعالى أن يكون واجبا أصلا، وذلك مما لم نقله، فهذه دلالة.

  والدلالة الثانية: ما قاله الشيخ أبو هاشم، وتحريرها، أن القديم تعالى خلق فينا شهوة القبيح ونفرة الحسن، فلا بد من أن يكون في مقابلته من العقوبة ما يزجرنا عن