شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه الملحدة:

صفحة 421 - الجزء 1

  القبيح، فكذلك في العقاب، وقياسهم ذلك على الشاهد لا يصح، لأن العباد لا يستحق بعضهم من بعض العقاب.

  ومما يتعلقون به في ذلك، أن العقاب ضرر من جهة اللّه تعالى، وإيصال الضرر إلى الغير إنما يحسن لتشفي الغيظ، أو لنفع المعاقب أو المعاقب، وأي هذه الوجوه كان فهي مفقودة في مسألتنا هذه، فيجب القضاء بقبح العقاب من جهة اللّه تعالى.

  والجواب، أن هذه القسمة محتملة للزيادة غير مترددة بين النفي والإثبات، فلا يصح الاحتجاج بها، على أن هذه الوجوه التي ذكرتها مما لا تأثير لها في حسن العقاب فإن تشفى الغيظ مما لا يتضمن وجها في حسن الإضرار بالغير، وهكذا نفع المعاقب، وبعد، فقد خلت هذه القسمة عن مذهب الخصم، فإن من مذهب من خالف في هذه المسألة أنه إنما يحسن من اللّه تعالى معاقبة المكلف لاستحقاقه له بإقدامه على القبائح وإخلاله بالواجبات، ولم يدخل هو هذا القسم في القسمة، التي أوردها ففسد كلامه. ثم تقلب عليهم هذه القسمة في الذم. فيقال: إن الذم أيضا ضرر فيجب أن لا يحسن إلا لتشفي الغيظ أو للنفع على ما ذكرتموه، ومعلوم خلافه. فإن قالوا: بل للاستحقاق، قلنا: فارضوا منا بمثله في العقاب، فثبت بهذه الجملة استحقاق الثواب والعقاب، وإذا صح ذلك، فاعلم أن الثواب إنما يستحق على الطاعات والعقاب على المعاصي.

  فإن قيل: يجب على هذا أنه لو جمع المكلف بين الطاعات والمعاصي أن يكون مثابا معاقبا في حالة واحدة، وذلك محال. وجوابنا أن هذا إنما يلزمه لو لم يسقط واحد منهما الآخر، فأما إذا سقط الأقل بالأكثر فإن ذلك مما لا يجب.

  فإن قيل: فما قولكم فيمن استويا في حقه أكان يجب أن يثاب ويعاقب دفعة واحدة؟ قيل له إنهما لا يستويان، ولا خلاف في ذلك بين أبي علي وبين أبي هاشم، وإنما الخلاف في أن ذلك يعلم عقلا وسمعا أو لا يعلم إلا سمعا.

  فعند أبي علي. أن ذلك يعلم عقلا وسمعا، وقال أبو هاشم: لا يعلم إلا سمعا، فإن الأمة أجمعت على أن لا دار غير الجنة والنار، فلو تساوت طاعات المكلف ومعاصيه لكان لا يخلو حاله من أحد الأمرين: فإما أن يدخل النار وذلك ظلم، وإما أن يدخل الجنة ثم لا يخلو حاله وقد دخل الجنة، إما أن يثاب وذلك لا يجوز، لأن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح، واللّه تعالى لا يفعل القبيح، وإما أن يتفضل اللّه عليه