شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

المخالفون في الإحباط والتكفير:

صفحة 423 - الجزء 1

  فإن قيل: هذا الذي ذكرتموه بيان المذهب ومعنى القول بالإحباط والتكفير، فما الدلالة على ذلك؟ قيل له: الدليل عليه، هو ما قد ثبت أن الثواب والعقاب يستحقان على طريق الدوام، فلا يخلو المكلف إما أن يستحق الثواب فيثاب، أو يستحق العقاب فيعاقب، أو لا يستحق الثواب ولا العقاب فلا يثاب ولا يعاقب، أو يستحق الثواب والعقاب فيثاب ويعاقب دفعة واحدة، أو يؤثر الأكثر في الأقل على ما نقوله. لا يجوز أن لا يستحق الثواب ولا العقاب فإن ذلك خلاف ما اتفقت عليه الأمة، وأيضا فقد أدللنا على استحقاق المكلف الثواب والعقاب فلا وجه لذلك، ولا يصح أيضا أن يستحق الثواب والعقاب معا فيكون مثابا معاقبا دفعة واحدة لأن ذلك مستحيل، والمستحيل مما لا يستحق، لأن الاستحقاق يترتب على صحته أن يفعل وإمكانه، إذ المرجع به إلى حسن فعل أو وجوبه لأمر متقدم على وجه لولاه لما حسن أو لما وجب، وهذا كما ترى مبني على الصحة، فلا يصح إلا ما ذكرناه من أن الأقل يسقط بالأكثر.

  وهذا هو الذي يقوله الشيخان أبو علي وأبو هاشم ولا يختلفان فيه، وإنما الخلاف بينهما في كيفية ذلك على ما سيجيء من بعد إن شاء اللّه وحده.

  فإن قيل هلّا كان الحال في الثواب والعقاب عندكم في أن لا يقع بينهما الإحباط والتكفير كالحال في العوض مع العقاب؟ قيل له: إن كان المذهب ما اختاره أبو علي فلا سؤال، لأنه سوى بينهما أو يجري على القياس، وإن كان المذهب ما يقوله أبو هاشم، فالفرق ظاهر، لأن الذي له ولأجله قال بأن الثواب يحبط بالعقاب، هو أنهما يستحقان على طريق الدوام، وأن أحدهما يستحق على سبيل التعظيم والإجلال، والآخر على سبيل الاستحقاق والنكال، ولا يمكن الجمع بينهما، وهذا غير ثابت في العوض مع العقاب، فلا معنى لقياس أحدهما على الآخر.

  يبين ذلك، أن العوض لا يستحق دائما، ولا هو مستحق على سبيل التعظيم والإجلال حتى يثبت بينه وبين العقاب منافاة، وإذا كان هذا هكذا سقط ما قالوه، وصح أن من يستحق العوض على اللّه والعقاب منه، فإنه إن شاء وفر عليه ما يستحق من العوض في الدنيا، وإن شاء في عرصات القيامة، وإن شاء جعله تخفيفا من عقابه، لا لأن العوض يستحق على هذا الوجه، لكن لأن إيصاله إليه على الوجه المستحق لا يمكن.

  وأول هذه الوجوه أوضح، والثالث جيد، فأما الثاني ففيه كلام، لأن الأمة