فصل
  متى اجتنب الفواحش، وأدى الفرائض، فكيف يدعوه الداعي والحال ما قلنا إلى الفساد.
فصل
  قد ذكرنا أن المدح والذم والثواب والعقاب يستحقان على الطاعة والمعصية، والذي نذكره هاهنا أن المدح والثواب كما يستحقان على الطاعة فقد يستحقان على أنه لا يفعل القبيح، وأن الذم والعقاب كما يستحق على فعل المعصية فقد يستحق على الإخلال بالواجبات، وهذه مسألة خلاف بين شيخنا أبي علي وأبي هاشم..
هل يستحق الثواب والعقاب على الفعل وعدمه:
  فعند أبي علي، أن الثواب والعقاب لا يستحق إلا على الفعل، فأما على أنه لا يفعل فلأننا على قوله إن القادر بالقدرة لا يخلو من الأخذ والترك.
  وأما عند أبي هاشم، فإن لا يفعل كالفعل في أنه جهة الاستحقاق وهو الصحيح من المذهب.
  والذي يدل على صحة هذا أنا متى علمنا إخلاله بالواجبات علمنا استحقاقه للذم وإن لم نعلم أمرا آخر، كما أنا متى عرفنا كونه عارفا فاعلا للقبيح علمنا أنه يستحق الذم وإن لم نعلم شيئا آخر، فيجب أن يكون كل واحد من الأمرين مؤثرا في استحقاق الذم على ما نقوله.
  يبين ذلك ويوضحه، أن من كان عنده وديعة وطولب بالرد فاستلقى على قفاه وتثاقل ولم يرد استحق الذم، كما لو ظلمه وغصب قطعة من ماله، وليس هاهنا ما يصرف إليه استحقاقه الذم سوى إخلاله بما هو واجب عليه، فيجب أن يكون الإخلال بالواجب كفعل القبيح في استحقاق الذم عليه.
  وأيضا، فإنه تعالى لو لم يثبت ما استحق الثواب أو لم يلطف، مع أن له في المعلوم لطفا بعد التكليف لاستحق الذم تعالى عن ذلك، وإنما استحق لإخلاله بالواجب. وليس هاهنا ما يلتبس الحال فيه فيقال: إنما الذم عليه لا على الإخلال بالواجب، ولكن استحق الذم لهذا الوجه، ولئن أمكن الشيخ أبا علي أن يقول في الواحد منا أنه لا يخلو عن الأخذ والترك، فلا يمكن ذلك في اللّه تعالى، فليس هو من القادرين بالقدرة.