فصل
  تعالى على الخصوص، وليس في إسقاطه إسقاط حق ليس من توابعه وإليه استبقاؤه، فله إسقاطه كالدين، فإنه لما كان حقا لصاحب الدين خالصا، ولم يتضمن إسقاط حق ليس من توابعه، وكان إليه استبقاؤه، كان له أن يسقطه كما أن له أن يستوفيه، كذلك في مسألتنا.
  وقولنا: ليس في إسقاطه إسقاط حق ليس من توابعه احتراز عن الذم، فإنه من حيث يسقط بسقوط العقاب سقط، لأنه كان من توابعه، كالأجل مع الدين.
  فإن قيل: الحق هو ما لصاحبه أن ينتفع به، والنفع يستحيل على اللّه تعالى، فكيف يصح قولكم إن العقاب حق اللّه تعالى؟ قيل له: إن غرضنا بذلك أن الدلالة تدل على أن للّه تعالى أن يعفو عن العصاة كما أن له أن يعاقبهم، خلافا لما يقوله البغداديون.
  فإن قيل: أليس أن الذم حق المساء إليه ثم لا يكون له إسقاطه، فهلا جاز في العقاب أن يكون حقا للّه تعالى، وإن لم يكن له إسقاطه؟ قيل له: إن فيما ذكرناه ما يسقط هذا السؤال فقد قلنا: إن العقاب حق اللّه تعالى على الخصوص، وليس هكذا سبيل الذم، فإنه كما هو حق المساء إليه فهو حتى للمسيء أيضا ولجميع العقلاء، فإنهم متى تيقنوا أنهم يذمون على الإساءة لا يقدمون عليها، أو يكونون أقرب أن لا يقدموا عليها.
  وهكذا الجواب إذا قالوا: إن الشكر حق للمنعم ثم ليس له إسقاطه، وكذلك العقاب، لأن الشكر كما أنه حق للمنعم فهو حق للمنعم عليه، ولهذا يستحق به ثواب اللّه تعالى والمدح من العقلاء، فكيف يدعى أنه حق المنعم.
  فإن قيل: أليس أن الثواب حق للعبد كما أن العقاب حق اللّه تعالى، ثم لا يكون للعبد إسقاط ما يستحقه من الثواب، فهلا جاز مثله في العقاب؟ قيل له: إن الحق إنما كان يصح من استحقه إسقاطه متى كان استيفاؤه إليه ولم يكن في الحكم كالمحجور عليه، فلهذا فإن الصبي لا يقدر على إسقاط حقه وإن كان الحق له، لما لم يكن من أهل الاستيفاء، إذا ثبت هذا، فحال الواحد منا مع الثواب كحال الطفل مع ما له من الحقوق، فكما أنه ليس له إسقاط شيء من حقوقه، لما لم يكن إليه استيفاؤها وكان محجورا عليه، كذلك هاهنا. يزيد ذلك وضوحا أن العبد يكون في حكم الملجأ إلى أن لا يسقط ما يستحقه من الثواب، فسقط هذا السؤال أصلا،