شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شبه البغداديين:

صفحة 438 - الجزء 1

  أن يكون مستحقا للعقوبة، وكذلك فقد قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ}⁣[النور: ٢] وهذا يدل على أن الزاني مستحق للعقوبة، وكذلك فقد قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ} الآية، واللعن هو الطرد والتبعيد من الرحمة والثواب، بدليل قول الشاعر:

  دعوت به القطا ونفيت عنه ... مكان الذئب كالرجل اللعين

  ولن يكون ذلك كذلك، إلا وهو مستحق للعقوبة من جهة اللّه ø وهكذا فقد قال تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} وهذا يدل على ما ذكرناه أيضا.

  فإن قيل: كيف يمكن الاستدلال بإقامة الحد على كون المحدود مستحقا للعقاب، مع أن الحدود كما تقام على الفاسق فقد تقام على التائب، وعلى هذا يروى أن ما عزا رجم بعد التوبة، وكذلك لعامرية مع أنها تابت توبة نصوحا رجمت.

  قيل له: أول ما في ذلك، أن هذه مسألة خلاف:

  فمن مذهب بعض الفقهاء أن التائب لا يقام عليه الحد، اللهم إلا إذا كان من حقوق الآدميين نحو القصاص وما جرى مجراه، هذا أحد قولي الشافعي. فعلى هذا لا كلام.

  وإذا قلنا بأنه يقام عليه الحد كما يقام على الفاسق، كان الجواب عنه: إنا لم نستدل بمجرد الحد على استحقاقه للعقوبة، بل قلنا: إنه يحد على طريق الجزاء والنكال، ولن يكون كذلك إلا وهو مستحق للعقوبة، وليس هذا حال التائب، فمعلوم أنه لا يحد بالآية جزاء ونكالا، وإنما يقام عليه الحد تطهيرا على طريق الابتلاء والامتحان، فيكون سبيل هذه الآلام النازلة به سبيل الأمراض التي ينزلها اللّه تعالى بالصالحين من عباده ابتلاء وامتحانا.

  وأما حديث ماعز والعامرية، فإن من خالف في إقامة الحد على التائب قال: إن ماعز لم يتب على الحقيقة، ولهذا لما أخذه حر الحجارة قال: غرني قومي وفر حتى قتله بعضهم بعظم رماه به، وليس هذا من كلام التائب في شيء، ويذكر شيئا شبيها بهذا في توبة العامرية، فالأولى أن نسلك في الجواب على ذلك ما ذكرناه، وهو أنهما إنما حدا تطهيرا على طريق الابتلاء والامتحان، لا على سبيل الجزاء والنكال، فقد روي عن النبي في حق العامرية: أنها تابت توبة لو تابها من بين الأخشبين لقبل