شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مناقشة حول الاستثناء والعموم والخصوص:

صفحة 440 - الجزء 1

  أردت الاستدلال بها فلا بد أن تبنى ذلك على أصلين: أحدهما، هو أنه تعالى لا يجوز أن يخاطبنا بخطاب لا يريد به ظاهره ثم لا يدل عليه ولا يبين المراد به، لأن ذلك يكون إلغازا وتعمية وتورية، والألغاز والتعمية والتورية مما لا يجوز على اللّه تعالى، وذلك ظاهر لا إشكال فيه.

  والثاني، أن في اللغة لفظة موضوعة للعموم، وذلك فقد اختلف الناس فيه اختلافا شديدا ليس هذا موضع ذكره، وإنما الذي نذكره هاهنا، الدلالة على ما اخترناه من المذهب، وهو أن فيه لفظة موضوعة له.

  وتحرير الدلالة على ذلك، هو أن «ما» و «من» إذا وقعتا نكرتين في المجازات أفادتا العموم والاستغراق، لأن أهل اللغة أطبقوا على أن قول القائل من دخل داري أكرمته، بمنزلة قوله: إن دخل داري زيد أكرمته وإن دخل عمر داري أكرمته، حتى يأتي على جميع العقلاء، ولن يكون كذلك إلا وهو موضوع للعموم والاستغراق على ما نقوله.

  وأيضا، فإن له أن يستثني من هذا الكلام من شاء من العقلاء، فيقول: من دخل داري أكرمته إلا فلانا وإلا فلانا، ولولا شمول هذه اللفظة للعقلاء واستغراقها لهم، وإلا كان لا يجوز ذلك، لأن من حق الاستثناء أن يخرج ما لولاه لوجب دخوله تحته.

  وهذا منا استدلال ببعض كلامهم على البعض.

  ونظيره، استدلالنا باستعمالهم لفظة أجسم من الجسم، على أنه الطويل العريض العميق.

مناقشة حول الاستثناء والعموم والخصوص:

  فإن قيل: إن ما ذكرتموه ينبني على أن من حد الاستثناء أن يخرج من الكلام ما لولاه لاحتمله ولصلح له، لا ما ذكرتموه.

  قيل لهم: الذي يدل على صحة ما ادعيناه في الاستثناء، هو أنه إذا دخل على أسماء الأعداد وأخرج من الكلام ما لولاه لوجب دخوله تحته. ألا ترى أن القائل إذا قال: لفلان علي عشرة إلا درهما، فإنه يكون قد أخرج باستثنائه هذا ما لولاه لشمله ودخل تحته لا محالة، حتى لولا هذا الاستثناء لكان يكون مقرا بالعشرة كمّلا، والآن لم يلزمه بإقراره إلا التسعة، إذا صح ذلك في الاستثناء وقد دخل على أسماء الأعداد،