فصل في المقصود من الباب:
  أصله في العقل.
  وهذه الجملة تنبنى على أن المؤمن صار بالشرع اسما لمن يستحق المدح والتعظيم، وأنه غير مبقى على موضوع اللغة، وأما الذي يدل على أنه صار بالشرع اسما لمن يستحق المدح والتعظيم، هو أنه تعالى لم يذكر اسم المؤمن إلا وقد قرن إليه المدح والتعظيم، ألا ترى إلى قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ١} وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} وقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} إلى غير ذلك من الآيات، وأما الذي يدل أنه غير مبقي على الأصل، هو أنه لو كان مبقي على ما كان عليه في اللغة، لكان يجب إذا صدق المرء غيره أو أمنه من الخوف أن يسمى مؤمنا وإن كان كافرا، ولكان يجب أن لا يسمى الأخرس مؤمنا، لأنه لم يصدر من جهة التصديق، ولكان يجب أن لا يزول بالندم ولا يرتفع به، لأن الأسماء المشتقة هذه سبيلها، ألا ترى أن الضارب لما كان اسما مشتقا من الضرب، ووقع من أحدنا الضرب لم يزل عنه هذا الاسم بالندم وغيره؟ وكذلك الشاتم والكاتب.
  ومتى قيل: أليس أن الظالم مع أنه اسم مشتق من الظلم، لم يجز إجراؤه على التائب وزال بالتوبة والندم، فقد أجبنا عن ذلك، وبينا أنه إنما لم يجز إجراؤه على التائب لا لأمر يرجع إلى موضوع اللغة، بل لأنه يوهم الخطأ، ولهذا يجوز من اللّه تعالى أن يسمي التائب ظالما لم لم يثبت في حقه هذا المعنى.
  وأيضا، فكان يجب ألا يسمى المرء مؤمنا إلا حال اشتغاله بالإيمان، فإن هذا هو الواجب في الأسماء المشتقة من الأفعال، ألا ترى أنه لا يسمى الضارب ضاربا وإلا وهو مشتغل بالضرب، والمصلي مصليا إلا وهو في الصلاة، فأما الضرب المتقدم والصلاة التي قد أتى الفراغ عليها، فإنه لا يشتق له منها اسم، فكان يجب فيمن آمن بالأمس أن لا يسمى اليوم مؤمنا، بل يقال كان مؤمنا، وقريب من هذا الكلام ما يحكى أن بعض مشايخنا ألزم ابن فورك في كلام جرى بينهما، أن يؤذن المؤذن ويقول: أشهد أن محمدا كان رسول اللّه، فارتكب المدبر ذلك وافتضح، فأمر به محمود حتى نكل وجر برجله.
  وأحد ما يدل على ذلك أيضا، هو أنه لو كان مبقي على الأصل، لكان يجب أن لا يقع الفصل بين مطلق هذا الاسم ومقيده، ومعلوم خلاف ذلك.