شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام على الخوارج:

صفحة 481 - الجزء 1

  اعلم أن الكفر في أصل اللغة إنما هو الستر والتغطية، ومنه سمي الليل كافرا لما ستر ضوء الشمس عنا وقال الشاعر:

  حتى إذا ألقت ذكاء يمينها في كافر وقال آخر:

  حتى إذا ألقت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها

  ومنه سمي الزراع كافرا لستره البذر في الأرض، قال اللّه تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ}⁣[التوبة: ١٢٠] أي الزراع، هذا في اللغة.

  وأما في الشرع فإنه جعل الكافر اسما لمن يستحق العقاب العظيم، ويختص بأحكام مخصوصة نحو المنع من المناكحة والموارثة والدفن في مقابر المسلمين، وله شبه بالأصل، فإن من هذه حالة صار كأنه جحد نعم اللّه تعالى عليه وأنكرها ورام سترها.

  إذا ثبت هذا، ومعلوم أن صاحب الكبيرة ممن لا يستحق العقاب العظيم، ولا تجري عليه هذه الأحكام، فلم يجز أن يسمى كافرا.

الكلام على الخوارج:

  والأصل في الكلام على الخوارج أن نحقق عليهم الخلاف، فنقول: إن هذا الخلاف إما أن يكون خلافا من جهة اللفظ، أو من طريق المعنى.

  فإن خالفتمونا من حيث اللفظ، وقلتم: إن صاحب الكبيرة يسمى كافرا فلا يصح، لأنا قد ذكرنا أن الكافر اسم لمن يستحق العقاب العظيم ويستحق أن تجري عليه هذه الأحكام المخصوصة، وليس كذلك الفاسق.

  وإن خالفتمونا من جهة المعنى، وقلتم: إنه يستحق العقاب العظيم ويستحق إجراء هذه الأحكام عليه كالكافر سواء، قلنا: إن هذا خلاف ما عليه الصحابة والتابعون، فإنهم اتفقوا على أن صاحب الكبيرة لا يحرم الميراث ولا يمنع من المناكحة والدفن في مقابر المسلمين.

  هذا على الجملة، وإذا أردت تفصيل ذلك فعليك بسيرة أمير المؤمنين # في أهل البغي، ومعلوم أنه لم يبدأ بقتالهم ولم يتبع مدبريهم، وكذلك فلم يسمهم