شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

مناظرة بين الحسن وابن عبيد:

صفحة 484 - الجزء 1

  ذلك ويندم عليه. وأما ما ذكره في الشاهد، فإنما ذلك لأنه يصير به ممنوعا ملجأ، حتى لو لم يصر ملجأ لكان الحال فيه كالحال فيما نحن بصدده.

  وربما يحتج بوجه ثالث، وهو قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ}⁣[التوبة: ٦٧] وهذا لا يدل على موضع الخلاف، فإن أكثر ما فيه أن المنافق فاسق، فمن أين أن الفاسق منافق وفيه وقع النزاع؟ ومن هاهنا قال بعض أصحابنا: إن ما اخترناه من المذهب مجمع عليه متفق، فإن الناس على اختلافهم في صاحب الكبيرة وقول بعضهم إنه كافر، وقول البعض إنه مؤمن، وقول آخر إنه منافق، لم يختلفوا في أنه فاسق، فأخذنا نحن بالإجماع وتركنا لهم الخلاف، وإلى هذا أشار الصاحب بقوله:

  فالكل في تفسيقه موافق ... قولي إجماع وخصمي خارق

  وقد أعاد | الكلام في الأسماء الدينية فأعدناها نحن، ولا نخليها من فائدة جديدة إن شاء اللّه تعالى.

  واعلم أن المكلف إما أن يستحق الثواب أو يستحق العقاب، فإن استحق الثواب، فإما أن يستحق الثواب العظيم أو يستحق ثوابا دون ذلك، فإن استحق الثواب العظيم فلا يخلو، إما أن يكون من بني آدم، أو لا. فإن لم يكن من بني آدم سمي ملكا، ويتبعه قولنا مقرب وما شابهه، وإن كان من بني آدم سمي نبيا ويتبعه قولنا مختار ومصطفى ومجتبى وما يجري هذا المجرى، فإن استحق ثوابا دون ذلك فإنه يسمى مؤمنا، ويتبعه من الأسماء ما يقاربه نحو قولنا برّ تقيّ صالح إلى غير ذلك، هذا في المستحق للثواب.

  فأما المستحق للعقاب فلا يخلو، إما أن يستحق العقاب العظيم، أو يستحق عقابا دون ذلك. فإن استحق العقاب العظيم سمي كافرا، ويتبعه من الأسماء نظائره، نحو قولنا مشرك زنديق ملحد إلى غير ذلك. وإن استحق عقابا دون ذلك سمي فاسقا، ويتبعه قولنا متهتك ملعون فاجر، إلى غير ذلك. والغرض بتحقيق الكلام في هذه الأسماء وتكريرها، هو أن يعلم أنه لا يجوز إجراؤها إلا على مستحقيها، فلا يسمى صاحب الكبيرة مؤمنا ولا كافرا. وإذ قد عرفت ذلك من حال هذه الأسماء، فقد وضح لك أنه لا يجوز إجراؤها إلا على المكلفين الذين يستحقون المدح والذم والثواب والعقاب دون من لا تكليف عليه البتة. وفارق الحال فيها الحال في الأسماء المشتقة، نحو قولنا ضارب وشاتم وكاسر، فإنه يجوز إجراؤها على المكلف وغير المكلف،