شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

كيفية ثبوته:

صفحة 494 - الجزء 1

  الإماتة والإحياء مرتين إلا وفي إحدى المرتين إما التعذيب في القبر أو التبشير على ما نقوله.

  ومتى قالوا: إن إحدى الإماتتين إنما هو خلق اللّه تعالى الخلق من نطفة هي موات، قلنا: إن الإماتة في الحقيقة إنما هو إبطال الحياة وإزالتها وتفريق البنية التي تحتاج هي في الوجود إليها، وذلك لا يتصور في النطفة التي لم تكن حية أصلا. وبعد فقد أثبت اللّه تعالى الإماتة مرتين، وعلى هذا الذي ذكرتموه يقتضي أن يكون ذلك مرارا، ولقد قال اللّه تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ١٢} الآية، ولم يصر حيا بعد ذلك بل صار علقة، على ما قال تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً} الآية.

  ومما يدل على ذلك ما روي أن النبي مر بقبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان من كبير كان أحدهما يمشي بالنميمة والآخر كان لا يستنزه من البول» وروي لا يستتر.

  فإن قالوا: كيف يصح الاستدلال بهذا الخبر مع أنه يقتضي تعذيب عبده على الصغائر التي من شأنها أن تقع مغفورة؟ قلنا: المراد بقوله وما يعذبان من كبير عندهما، لأن المعصية في نفسها غير كبيرة، فهذا هو الكلام في ثبوت عذاب القبر.

كيفية ثبوته:

  وأما الكلام في كيفية ثبوته، فاعلم أنه تعالى إذا أراد تعذيبهم، فإنه لا بد من أن يحييهم لأن تعذيب الجماد محال لا يتصور، ولا يعترض ذلك ما روي عن النبي في الميت أنه يسمع خفق النعال، وأنه ليعذب على بكاء أهله عليه، لأن الإدراك يترتب على الحياة، وتعذيب القبر بذنب الغير ظلم، واللّه تعالى لا يفعل ذلك، وتفسير قوله : أن الميت ليعذب على بكاء أهله، أي على الوصية بذلك، فكان من عادة القوم الوصية بالبكاء والنوح عليهم.

  وكما لا بد من الإحياء ليصح التعذيب، فلا بد من أن يخلق اللّه فيهم العقل ليحسن التعذيب، وإلا اعتقد المعاقب المعذب أنه مظلوم، ولهذا المعنى قلنا: إن أهل النار لا بد من أن يكونوا عقلاء، هذا هو الذي نعلمه من جهة العقل.

  فأما الكلام في أن ذلك كيف يكون، وأنه تعالى يبعث إليه ملكين يقال لأحدهما