صفات الإمام: وأما الفصل الثالث:
  فإن قيل: إن هذا الذي ذكرتموه إنما يدل على فساد ما يقوله هؤلاء، فما دليلكم على صفحة ما اخترتموه مذهبا.
  قلنا: الإجماع، فقد اتفقت الأمة على اختلافها في أعيان الأئمة أنه لا بد من إمام يقوم بهذه الأحكام وينفذها، وإجماع الأمة حجة لقوله ﷺ: «عليكم بالسواد الأعظم»، وقوله: «لا تجتمع أمتي على الضلالة».
  ومما يدل عليه أيضا آية المشاقة والاستدلال بها مشروح في مجموع العمد.
صفات الإمام: وأما الفصل الثالث:
  في صفات الإمام، اعلم أن الإمام يجب أن يكون من منصب مخصوص خلاف ما يحكى عن طائفة من الخوارج، ولا يكفي هذا القدر حتى يكون فاطميا، ثم لا يجب أن يكون حسنيا أو حسينيا بل الذي لا بد منه هو أن يكون من أحد البطنين، ويجب أن يكون مبرزا في العلم مجتهدا ولا خلاف فيه وإنما اختلفوا في القاضي. وقد حكي عن أبي حنيفة، أنه لا يجب في القاضي أن يكون مجتهدا، وإن كان قاضي القضاة استبعد عنه هذه الحكاية وقال: إنما أراد به أنه ليس يجب أن يكون حافظا لكتب الفقهاء وترتيب أبوابها، وهكذا غرضنا إذا اعتبرنا كون الإمام مجتهدا، فليس من ضرورته أن يكون حافظا لكتب الفقهاء وحكاياتهم وترتيب أبواب الفقه بل إذا كان بحيث يمكنه المراجعة إلى العلماء وترجيح بعض أقوال بعضهم على البعض كفى، غير أنه لا يكون على هذا الوصف حتى يعلم شيئا من اللغة، ليمكنه النظر في كتاب اللّه تعالى ومعرفة ما أراده بخطابه وما لم يرده، وإن كان في معرفة مراد اللّه بخطابه وغير ذلك يحتاج إلى أمور أخر غير العلم بالعربية المجردة، وهو أن يكون عالما بتوحيد اللّه تعالى وعدله، وما يجوز على اللّه تعالى من الصفات وما لا يجوز، وما يجب له من الصفات وما لا يجب، ويكون عالما بنبوة محمد ﷺ، فإذن قولنا ينبغي أن يكون مجتهدا يجمع هذه الأمور كلها.
  ولا بد مع هذه الشرائط أن يكون ورعا شديدا، يوثق بقوله ويؤمن منه ويعتمد عليه، وأن يكون ذا بأس وشدة وقوة قلب وثبات في الأمور.
  فهذه جملة ما يعتبر من الأوصاف في الشخص حتى يصلح للإمامة.