طرق الإمامة: وأما الفصل الرابع:
  انتدب لنصرة الإسلام ونابذ الظلمة وكان مستكملا لهذه الشرائط التي اعتبرناها، فإنه يجب على الناس مبايعته والانقياد له، وكذلك فقد اتفق أهل النبي ﷺ على أن طريق الإمامة إنما هو الدعوة والخروج على الحد الذي ذكرناه، هذا إذا أردت ابتداء الدلالة على ذلك.
  فأما إذا أردت هذه المقالات، فإن الذي يشتبه الحال فيه ليس إلا مقالة المعتزلة، وما عداها فظاهر السقوط.
  وإذا أردت إفساد مقالتهم فلك فيه طريقان:
  أحدهما: هو أن تطالبهم بتصحيح ذلك وتفسد عليهم ما يحتجون به.
  والثاني: هو أن تبدأ بالدلالة على فساد مقالتهم.
  أما الطريق الأول، فهو أن نقول: ما دليلكم على أن العقد والاختيار طريق الإمامة؟ فإن قالوا: إن الإمامة عقد من العقود، بل هي من أقلها رتبة وأعظمها منزلة فلا بد من عاقد يعقدها للمعقود له، قلنا: هب أن الأمر على ما ذكرتموه فمن أين أن الإمامة عقد، وأن العقد لا بد له من عاقد يعقده، فمن أين أنه لا يجوز أن يكون العاقد نفس الإمام حتى يعقد لنفسه على الحد الذي نقوله، وصار الحال فيه كالحال في النذور. وهكذا نتبع كلامهم ونفسد عليهم الوجوه التي يذكرونها في هذا الباب، فهذه طريقة القول في ذلك.
  وإذا أردت ابتداء الدلالة على فساد مذهبهم، فالأصل فيه أن تقول:
  لو كان الأصل في الإمامة إنما هو العقد والاختيار لكان لا بد من أن يكون إليه طريق، والطريق إليه إما العقل أو الشرع، والعقل مما لا يجوز أن يكون طريقا إليه لأن الإمامة حكم شرعي فيجب أن يكون الطريق إليه أيضا شرعيا، وإذا كان الطريق إليه الشرع، فإما أن يكون الكتاب أو السنة أو الإجماع، وشيء من ذلك غير ثابت هناك.
  قالوا: إن الاجماع حاصل على ذلك، فمعلوم أن نفرا من الصحابة حضروا السقيفة وعقدوا لأبي بكر الإمامة ولم ينكر عليهم أحد، ولم يقل أن العقد ليس بطريق إلى الإمامة، وفي ذلك ما نقوله، يبين ذلك ويوضحه، أن الصحابة يومئذ كانوا بين مبايع عاقد، وبين متابع، وبين ساكت سكوتا يدل على الرضى، وهذه صورة الإجماع.
  وربما يؤكدون ذلك، بأن عمر جعل الأمر شورى بين ستة ولم ينكر عليه أحد،