شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل

صفحة 518 - الجزء 1

  وقد دخل في الجواب عن قولهم: لو كان هناك نص لاحتج به المنصوص عليه تحت هذه الجملة. وقد سأل قاضي القضاة نفسه حين دل على أنه لا نص، بأنه لو كان لأظهره المنصوص عليه واستدل على إمامته وفي علمنا بأنه لم يفعل دليل على أنه لم يكن، وقال: ما أنكرتم أنه لم يورده ولم يتمسك به في تثبيت إمامته لعلمه أو لغلبة ظنه أنهم لا يصغون إليه ولا ينظرون فيه؟ وأجاب عن ذلك: بأن هذا مما لا يمكن، مع أن حال الصحابة في الاستسلام للحق والانقياد له والرجوع إليه بحيث لا يخفى على أحد، وعلى هذا فالمعلوم أن عليا لما أنكر على عمر إقامة الحد على الحامل، فقال:

  هب أن لك عليها سلطانا فما سلطانك على ما في بطنها، أصغى إليه فرجع إلى قوله، وقال: لولا علي لهلك عمر. وكذا فقد روي أنه رجع في بعض الحوادث إلى قول معاذ لما بين له أن الحق في قوله، وقال: لولا معاذ لهلك عمر. وهكذا فقد روي أنه على محله في القلوب ومكانه فيها ومنزلته في العلم، ترك قوله لقول امرأة أنكرت عليه بعض الحوادث، وقال: كلكم أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت، إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يلتبس الحال فيها. فلو كان مع المنصوص عليه نص، لكان من سبيله أن يورده عليهم ويحتج به عندهم، سيما وقد عرف من حالهم أنهم يرجعون إلى قول كل أحد إذا تبين لهم الحق في جنبته، فلما لم يظهره ولا احتج علم أنه لم يكن أصلا.

  وقد جرى في كلامنا ما هو جواب عن هذا، فقد ذكرنا أن عليا أورد النصوص وأظهر الاستدلال بها، فكيف يمكن ادعاء أنه لم يظهر ذلك، وحديث الشورى يشتمل على نيف وسبعين دلالة وفضيلة أوردها علي بن أبي طالب مستدلا ببعضها على إمامته، وببعضها على فضله على الصحابة، وهذا واضح عند من أنصف.

  وربما قالوا: إن الصحابة وإن اختلفوا في المختار لم يختلفوا في الاختيار وهذا دعوى منهم، فمن خالف في إمامة أبي بكر لم يعتقد الاختيار طريقا للإمامة.

  وربما يؤكدون كلامهم المتقدم بقول العباس بن عبد المطلب لعلي بن أبي طالب #: امدد يدك أبايعك، وقول علي: لو كان عمي حمزة وأخي جعفر حيين لفعلت، وباحتجاج عليّ على طلحة والزبير بالبيعة وقوله لهما: بايعتماني ثم نكثتماني، ويقولون: إن هذا كله ينافي النص ويؤذن أصحابهم بأن طريق الإمامة عند علي وغيره العقد والاختيار على الحد الذي نقوله وقريب من هذا احتجاجهم بدخول عليّ # تحت الشورى، فقد ذكرنا أن الوجه فيه أنه كان لا يصل إلى حقه إلا بالدخول