فصل الكلام في الأخبار:
  ما يعلم صدقه اضطرارا فكالأخبار المتواترة، نحو الخبر عن البلدان والملوك وما يجري هذا المجرى، ونحو خبر من يخبرنا أن النبي ﷺ كان يتدين بالصلوات الخمس وإيتاء الزكاة والحج إلى بيت اللّه الحرام وغير ذلك، فإن ما هذا سبيله يعلم اضطرارا.
  وأقل العدد الذين يحصل العلم بخبرهم خمسة، حتى لا يجوز حصوله بخبر الأربعة.
  ولا يكفي خبر الخمسة على أي وجه أخبروا، بل لا بد من أن يكون خبرهم مما عرفوه اضطرارا، ولهذا لا يجوز أن يحصل لنا العلم الضروري بتوحيد اللّه وعدله بخبر من يخبرنا عن ذلك، لما لم يعرفوه اضطرارا.
  وما يعلم صدقه استدلالا فهو كالخبر بتوحيد اللّه تعالى وعدله ونبوة نبيه # وما يجري هذا المجرى، وكالخبر عما يتعلق بالديانات إذا أقر النبي ﷺ ولم يزجره عنه ولا أنكر عليه، فإنا نعلم صدق ما هذا حاله من الأخبار استدلالا، وطريقة الاستدلال عليه، هو أنه لو كان كذبا لأنكره النبي ﷺ، فلما لم ينكره دل على صدقه فيه، وهذا هو القسم الأول.
  وأما القسم الثاني، فهو ما يعلم كذبه من الأخبار، وذلك ينقسم إلى: ما يعلم كذبه اضطرارا، وإلى ما يعلم اكتسابا.
  ما يعلم كذبه اضطرارا، فكخبر من أخبرنا أن السماء تحتنا والأرض فوقنا وما جرى هذا المجرى.
  وما يعلم كذبه استدلالا، فكأخبار المجبرة والمشبهة عن مذاهبهم الفاسدة المتضمنة للجبر والتشبيه والتجسيم إلى غير ذلك من الضلالات.
  وأما ما لا يعلم كونه صدقا ولا كذبا، فهو كأخبار الآحاد. وما هذه سبيله يجوز العمل به إذا ورد بشرائطه فأما قبوله فيما طريقه الاعتقادات فلا، وفي هذه الجملة أيضا خلاف، فإن في الناس من يجوز ورود التعبد بخبر الواحد، وفيهم من ينكر ثبوت التعبد به.
  أما الذي يدل على جواز ورود التعبد بخبر الواحد، فهو أنه لا مانع يمنع أن يتعلق الصلاح بأن يتعبدنا اللّه تعالى به، وأكثر ما فيه أنه تعبد على طريقة الظن وذلك ثابت جائز: بل لو قيل: بأن أكثر العبادات الشرعية تنبني على الظن كان ممكنا. وبعد، فمعلوم أن القاضي قد تعبد بالحكم عند شهادة الشاهدين، وإن لم يقتض ذلك العلم وإنما يقتضي غالب الظن.