نهاية إثبات الأكوان
نهاية إثبات الأكوان
  قلنا: قد دللنا على أن هذه الصفة لا تتعلق بالفاعل، فهذه الجملة كافية في إثبات الأكوان التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون.
الكلام في حدوث الأعراض
  فصل: والغرض به الكلام في الدعوى الثانية من الدعاوى الأربعة، وهو الكلام في حدوث الأعراض، والخلاف فيه مع أصحاب الكمون والظهور فإنهم ذهبوا إلى قدم الاجتماع والافتراق، وقالوا: إن الاجتماع متى ظهر كمن الافتراق، وإذا ظهر الافتراق قالوا كمن الاجتماع.
  وتحرير الدلالة على ما نقوله في ذلك، هو أن العرض يجوز عليه العدم، والقديم لا يجوز أن يعدم، ولا يجوز أن يكون قديما، وإذا لم يكن قديما وجب أن يكون محدثا، لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين، فإذا لم يكن على أحدهما كان على الآخر لا محالة.
  فهذه الدلالة مبنية على أصلين: أحدهما، أن العرض يجوز عليه العدم، والثاني، أن القديم لا يجوز عليه العدم.
  أما الأول، فالدليل عليه، هو أن الجسم المجتمع إذا افترق فما كان فيه من الاجتماع لا يخلو، إما أن يكون باقيا فيه كما كان، أو زائلا عنه. لا يجوز أن يكون باقيا فيه كما كان. وإذا كان زائلا فلا يخلو، إما أن يكون زائلا بطريقة الانتقال، أو بطريقة العدم. لا يجوز أن يكون زائلا بطريقة الانتقال لأن الانتقال محال على الأعراض، فلم يبق إلا أن يكون زائلا بطريقة العدم على ما نقول.
  فإن قيل: هذا كله ينبني على أن الاجتماع كان حالا فيه ونحن لا نسلم ذلك بل نقول: إنه كان موجودا لا في محل، قلنا: لو كان كذلك لم يختص ببعض الأجسام دون بعض، فكان يجب أن تكون الأجسام كلها مجتمعة لوجود ذلك الاجتماع الموجود لا في محل، وأن لا يكون شيء منها مفترقا البتة والمعلوم خلافه. ولأنه لو كان كذلك، لوجب أن لا يحتاج الواحد منا في الجمع بين الجسمين إلى أن يماسهما أو يماس ما يماسهما والمعلوم خلافه.