شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

فصل والغرض به الكلام في المنزلة بين المنزلتين

صفحة 86 - الجزء 1

فصل والغرض به الكلام في المنزلة بين المنزلتين

  والأصل في ذلك، أن هذه العبارة إنما تستعمل في شيء بين شيئين ينجذب إلى كل واحد منهما بشبهة، هذا في أصل اللغة.

  وأما في اصطلاح المتكلمين، فهو العلم بأن لصاحب الكبيرة اسم بين الاسمين، وحكم بين الحكمين، على ما يجيء من بعد.

  وهذه المسألة تلقب بمسألة الأسماء والأحكام، وقد اختلف الناس فيها.

  فذهب الخوارج إلى أن صاحب الكبيرة كافر، وذهبت المرجئة إلى أنه مؤمن، وذهب الحسن البصري إلى أنه ليس بمؤمن ولا كافر وإنما يكون منافقا، وإلى هذا ذهب عمرو بن عبيد، وكان من أصحابه. وذهب وأصل بن عطاء إلى أن صاحب الكبيرة لا يكون مؤمنا ولا كافرا ولا منافقا بل يكون فاسقا، وهذا المذهب أخذه عن أبي هاشم، عبد اللّه بن محمد بن الحنفية، وكان من أصحابه. وقد جرت بين واصل بن عطاء وبين عمرو بن عبيد مناظرة في هذا، فرجع عمرو بن عبيد إلى مذهبه وترك حلقة الحسن واعتزل جانبا فسموه معتزليا وهذا أصل تلقيب أهل العدل بالمعتزلة.

سبب تسمية أهل العدل بالمعتزلة:

  واعلم أن هذه مسألة شرعية لا مجال للعقل فيها لأنها كلام في مقادير الثواب والعقاب، وهذا لا يعلم عقلا، وإنما المعلوم عقلا أنه إذا كان الثواب أكثر من العقاب فإن العقاب مكفر في جنبه، وإن كان أقل منه فإنه يكون محبطا في جنب ذلك العقاب، وصار الحال في ذلك كالحال في الشاهد، فإن أحدنا لو أخذ غيره من قارعة الطريق ورباه وخوله وموله، ثم يكسر رأس قلم له، فإن هذه الإساءة تقع مكفرة في جنب تلك النعم، وبالعكس من هذا لو أحسن إليه بأن يعطيه دينارا واحدا ثم يقتل ولده، فإن تلك النعمة تكون محبطة في جنب هذه الإساءة هذا هو الذي يعلم بالعقل.

  فأما أن ثواب بعض الطاعات أكبر من ثواب البعض، أو عقاب بعض المعاصي أعظم من بعض، فإن ذلك مما لا مدخل للعقل فيه. بل لو خلينا وقضية العقل، لجوزنا أن يكون ثواب الإحسان إلى الغير بدرهم أعظم من ثواب الشهادتين، وأن يكون عقاب شرب الخمر أعظم من عقاب استحلالها.