شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

صفحة 89 - الجزء 1

الخلاف حول العلم بوجوب ذلك سمعا وعقلا:

  وإذ قد عرفت هذه الجملة فاعلم: أنه لا خلاف في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما الخلاف في أن ذلك هل يعلم عقلا أو لا يعلم إلا سمعا.

  فذهب أبو علي إلى أنه يعلم عقلا وسمعا، وذهب أبو هاشم إلى أنه إنما يعلم سمعا، إلا في موضع واحد، وهو أن يشاهد واحدا يظلم غيره فيلحق قلبك بذلك مضض وحرد، فيلزمك النهي عنه دفعا لتلك المضرة عن النفس.

  والذي يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من جهة السمع الكتاب، والسنة، والإجماع.

  أما الكتاب فقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}⁣[آل عمران: ١١٠]: فاللّه تعالى مدحنا على ذلك، فلو لا أنها من الحسنات الواجبات وإلا لم يفعل ذلك.

  وأما السنة، فهو قول النبي : «ليس لعين ترى اللّه يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل».

  وأما الاجماع، فلا إشكال فيه لأنهم اتفقوا على ذلك.

شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

  ثم إن للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شرائط يجب بوجودها، ويسقط بزوالها.

  أولها: هو أن يعلم أن المأمور به معروف، وأن المنهي عنه منكر. لأنه لو لم يعلم ذلك لا يأمن أن يأمر بالمنكر وينهي عن المعروف، وذلك مما لا يجوز، وغلبة الظن في هذا الموضع لا تقوم مقام العلم.

  ومنها: هو أن يعلم أن المنكر حاضر، كأن يرى آلات الشرب مهيأة والملاهي حاضرة والمعازف جامعة، وغلبة الظن تقوم مقام العلم هاهنا.

  ومنها: هو أن يعلم أن ذلك لا يؤدي إلى مضرة أعظم منه، فإنه لو علم أو غلب في ظنه أن نهيه عن شرب الخمر يؤدي إلى قتل جماعة من المسلمين أو إحراق محلة لم يجب، وكما لا يجب لا يحسن.