المسائل المتعلقة بأحكام الإمامة
  كانت الأمم مطبقة على الضلالة، محتاجة إلى تكاثر الناهين عنها، وليس كذلك الإمامة إذ لا عصمة ولا وحي، والمفسدة في التكاثر ظاهرة، لا ينكرها إلا مكابر، وأدنى فارق يكفي في منع القياس، مع أن القياس حجة ظنية لا تقوم في هذا المقام.
  وأما القياس على القضاة والأوصياء: فأبعد لأنه من قياس الأعلى على الأدنى، والمغلظ على المخفف، لأن ولايتهما خاصة وهذه عامة، لأن ولاية الوصي على مال اليتيم، وولاية الحاكم إنما هي على المتشاجرين إليه، مع أنه لا تعارض فيما وليه، ولأن فوقهم إماماً يرفع الخصام، وأيضاً فهو بإمام الصلاة أشبه.
  وأما أنه قد روي القول بالجواز عن بعض العلماء، فيقال: إنه وإن قال فقوله لا يدل على أن الحق معه، بل هو مخالف مخطٍ، لا يصح الأخذ بقوله في القطعي، ولا يقلد فيما هذا شأنه، لأنه تقليد في الأصول وهو محرم، وليس من المسائل الفرعية العملية، بل هو علمي أو عملي يترتب على علمي، وكلاهما ممنوع فيه التقليد، والواجب هو النظر إلى الدليل لا إلى القائل إلا في مسائل الإجماع، وليس هذا منها، ولهذا قال ÷ «من أخذ دينه عن أفواه الرجال وقلدهم فيه مالت به الرجال من يمين إلى شمال وكان من دين الله على أعظم زوال، ومن أخذ دينه عن التفكر في آيات الله والتدبر لسنتي زالت الرواسي ولم يزل»(١).
  وأيضاً فلو فرضنا عدم الدليل لكان دليل العقل كافياً في منع إمامين في عصر وبلاد واحدة، لما يجر إليه من المفاسد العظيمة، لأن كلاً منهما يحاول تنفيذ أمره، فيؤدي إلى المنازعة والمحاربة، ولأنه يختل نظام العالم، إذ من الجائز فيما مرجعه إلى المصالح أن يظن أحدهما الصلاح في أمر والآخر نقيضه، ولأن كلاً منهما يطلب الطاعة له والواجبات إليه، فيبقى العباد في حيرة من يجيبون منهما، وإن وكلنا الأمر
(١) أمالي الإمام أبي طالب (١٤٨).