مجموع فتاوى الإمام المهدي محمد بن القاسم (ع)،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[حول مسألة الإرجاء]

صفحة 230 - الجزء 1

  سمع، وإنما يقدح ما كان عمداً، ولهذا قال رسول الله ÷ «من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار» فقيده بالعمد، وكثير من أفراد الأحاديث ما نظر عليها، وحكم بعدم صحتها، ولم يعد ذلك قادحاً في الناقل ولا كتابه.

  وأما كتابه: فلبقاء الظن بصحته وكمال شروط الرواية باقية.

  وأما ما ذكره السائل من أن هذا هو الرجاء لا الإرجاء المذموم: فالمصرح في كتب الأصول أن ذلك القول هو حقيقة الإرجاء المذموم، لأن الإرجاء التردد في الشيء لا القطع به كما قال تعالى {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}⁣[التوبة: ١٠٦].

  وأما الرجاء: فهو رجاء قبول الأعمال وزيادة الكرامة ونحو ذلك، مثل صحة التوبة، والتوفيق إلى الأعمال الموجبة للرحمة والجنة، والعصمة المبعدة عن أسباب الغضب والنار، ولهذا قال تعالى {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}⁣[الإسراء: ٥٧]، وقال تعالى {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}⁣[النساء: ١٠٤]، ولهذا قبح الرجاء في غير موضعه كما قال الشاعر:

  تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي ... درج الجنان بها وفوز العابد

  أنسيت أن الله أخرج آدماً ... منها إلى الدنيا بذنب واحد

  نعم قد ذكر السائل كثرة الروايات وكثرة المروي عنهم مما يشوش الخاطر في هذه المسألة الأصلية القطعية، وثمة تأويل وحمل جامع يمكن تطبيق كلما ورد من ذلك القبيل عليه، ورد كل شاذ إليه: وهو أن مراد الناقلين ومعنى ما نقلوه، ومقصد القائلين فيما قالوه، هو تجويز العفو وعدمه فيما كان من الذنوب عمداً، ولا ورد فيه الوعيد مع الحد، ولا لفظ يفيد العظم أو الكبر، لأن حال المعصية يلتبس في ذلك والعاصي تحت المشيئة، فيحتمل أن تكون صغيرة عند الله تعالى