مجموع فتاوى الإمام المهدي محمد بن القاسم (ع)،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[حكم تسليم الواجبات إلى الإمام]

صفحة 255 - الجزء 1

  وقد تجرّم الإمام عز الدين ممن حاله كذلك، وتوعد لولا الرجوع إلى العفو والإغضاء، مع أنه يقال للمفتي: إن كان مطمح نظرك كلام أهل المذهب، وليس وراءه عندك مأرب ولا مذهب، فما المانع إن كان مطلبك رضاء الله بالفتوى أن تفتيهم بالأفضل عند أهل المذهب، وتبين لهم أن للإمام أن يلزم الناس مذهبه فيما يقوى به أمره ويوصل مأربه، كما هو نص أهل المذهب أين أنت عن الإلزام بوجوب الالتزام.

  وكان عليك أيضاً أن تعلمهم أن التسليم إلى الإمام أحوط، وأخذ بالإجماع، وخروج من الورط، وأن صاحبها يكون مشاركاً في أجر الجهاد، وثواب النزال والجلاد، ولهذا كان تسليمها عندهم إلى الإمام أفضل، لأنه يصرفها في المصالح العامة، العائد نفعها على كافة الأمة، ولهذا جاء عن النبي ÷ «أنه يقال للعابد ادخل الجنة وحدك فإن عبادتك إنما كانت لك وحدك، ويقال للعالم ادخل الجنة واشفع لمن شئت أن تشفع، فإن نفع عبادتك بالتعليم كان لك ولغيرك»⁣(⁣١) بخلاف الدفع إلى الفقير فالمصلحة فيه خاصة، وهي سد خلته مع أنه يمكن الأخذ بالطرفين بأخذ الإذن من الإمام.

  ولما كان التسليم إلى الإمام مستجمعاً لهذه الفضائل حرص الشيطان على ترك التسليم إليه، وقد حذر الله تعالى عن ذلك فقال {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}⁣[المائدة: ٢]، مع أن القائم في زماننا هذا بين أناس قد أخذت الفانية بأزِمَّة قلوبهم، وقل المؤمنون فيهم، فلا ترى من يلتفت إلى الدين، ولا إلى من يدعوا إليه، ويذب عن حوزة الإسلام والمسلمين إلا بإعطاء شيء من الدنيا وإطعامه منها، وإلا أضرب عن الدين صفحاً، وطوى عنه كشحاً، وأضر


(١) روى نحوه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية (١/ ٥٢).