مجموع فتاوى الإمام المهدي محمد بن القاسم (ع)،

محمد بن القاسم الحسيني (المتوفى: 1319 هـ)

[في أحكام التأمين بين القبائل، والفرق بين تأمين المسلم والحربي]

صفحة 261 - الجزء 1

  وقد يكون الطالب بالقتل بعض الورثة والآخرون غيب أو نحو ذلك، وقد نصوا أنه يجب على المقتاد منه أن يحفظ نفسه حتى يجتمعوا، فلا يجوز لأحدهم الاقتصاص، وحينئذ المجوز هو ناصر له على حق، ويكون من باب فعل الواجب ودفع المنكر.

  وأما إذا ثبت الاستحقاق وتكاملت شروطه فنقول: إنه لا يجوز نصرته ولا إجارته، وذلك حيث يحضر جميع الورثة أو كان الوارث واحداً ثبت قتل مورثه بأي الطرق المذكورة، وأرادوا الاستيفاء منه، فإنه لا يجوز تأمينه ولا إجارته، لأن المجور يكون فاعل منكر، ومعين على منع واجب، وهاهنا قالوا إلا الإمام فله ذلك فليفترق الحال عند السائل بين هذه المسائل، فقد صار الناس يخبطون فيها خبط عشواء في ظلماء.

  وهذا التفصيل فيما عدى مهادنة الكفار والبغاة، فلها أحكام ظاهرة مدونة في كتب الفقه، مبين ما هو جائز للآحاد من الناس، وما هو مختص بالإمام الذي نظر الصلاح العام، وبعد انعقاد الذمة الجائزة أو الواجبة من آحاد الناس أو من الإمام لكافر أو مسلم يحرم نقض الذمة والخيانة فيها.

  ونصوا على أن الوفاء بالذمة من الواجبات التي علمت من الدين ضرورة فيكفر مستحل نقضها ويفسق من فعلها جرأة، وأدلتها من الكتاب والسنة أكثر من أن تذكر، وأعظم من أن تصدر.

  ولا يقال إذا تضمنت الذمة شيئاً من المفاسد حرمت، لا، بل يقال لا بد من النظر فيما قابلها من المفاسد، فإذا كان أرجح رجح، واضمحلت اليسيرة بجنب الكبيرة، وإلا فالغالب على عقود الذمم حصول شيء من المفاسد، ألا ترى أن النبي ÷ أراد أن يصالح بثلث ثمار المدينة، ومن المعلوم أنه كان سيأخذ الثلث من أموال المسلمين والأيتام والأرامل طوعاً وكرهاً فلم يعد ذلك مانعاً.