[في حديث العرض على الكتاب]
  والقسم الرابع: ما أمكن الجمع بينه وبين الكتاب بتعميم وتخصيص، أو إطلاق وتقييد، وهذا الصحيح الأخذ به عرضاً على قوله تعالى {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]، والتخصيص والتقييد نوع من البيان اللغوي، وقد منعه بعضهم كالإمام زيد بن علي # ومن معه، حملاً بأن التخصيص نوع من النسخ، والكتاب لا ينسخ بالسنة، والصحيح الأول لإطباق أهل الصدر الأول عليه.
  والقسم الخامس: ما لا يمكن عرضه، ولا يوجد في الكتاب العزيز ما يبطله أو ما يصححه، وهذا الصحيح قبوله لقوله تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧]، وهو نوع من العرض الجملي، ولقوله ÷ «أعطيت الكتاب ومثله» ولقوله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب: ٢١]، وغير ذلك.
  وقال بعضهم: إنه ممكن لمن غاص في أسرار كتاب الله عرض الأحاديث كلها، واستظهر بقوله تعالى {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}[الأنعام: ٣٨].
  قلنا: من كمال عدم التفريط أمرنا باتباع الرسول فيما جاء به، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ٧٦}[يوسف]، وقد ذكر ابن الإمام ووالده @ أبحاثاً شافية ولكن الكتب غائبة فعبرنا عما في الذهن.
  وأما ما ذكرتم من الحديث المشهور: وهو قوله ÷ «أحل لكم ميتتان ودمان» وعرضه على قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ}[المائدة: ٣]، فلا يصح عرضه على هذه الأدلة، بل يعرض على قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}[المائدة: ٩٦]، وقوله تعالى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة: ١٧٢]، وهما من الطيبات مطلقاً، فليس فيها ذكر الذكاة، وكذلك [قوله «ودمان»، لا يعرض على قوله تعالى {وَالدَّمُ}[المائدة: ٣]، بل يعرض على] قوله تعالى {وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ}[الحج: ٣٠]، يعني بجملتها ولأنهما ليسا بدم مسفوح وإن كانت في الأصل دماً، وفي حماية الله لا برحتم،