مسائل الصلاة
  الحضر في غير الكتاب، وذلك كله بإجماع الأمة لا يختلف فيه أن عدد الركعات لم يأت مشروحاً في الكتاب، وأنه إنما أتى عن الله على لسان جبريل صلى الله عليه إلى نبيه ÷ فكان الأمر في هذا واحداً لا اختلاف في الفرضين بسببٍ ولا معنى.
  وكلما سأل سائل أو طالب مطالب به بما في الكتاب وما جعل الله من قصرها طولب بإيجاد عدد فرض صلاة الحضر في إيجاد ذكر صلاة السفر، ولا يطالب بإيجاد عدد صلاة السفر في معنى إلا وجب عليه مثله في إيجاد عدد صلاة الحضر في الكتاب سواء سواء، فلا يجد بُدًّا من الرجوع إلى الحق أو الخروج إلى غير الصدق، فيكون بذلك جاهلاً، وعن الحق مائلاً، ولم يكن بدٌ أن تأتي هذه الرخصة والإطلاق لهذا الأمر العظيم من قصر صلاة المصلين عن صلاة إمامهم في كتاب الله أو في سنة مما جاء بها جبريل عن الله، فلما أن لم نجد ذلك فيما روي عن رسول الله ÷ مع أحد من الناس فضلاً عن أن يجمعوا عليه، فيقولوا: إن رسول الله ÷ جاء بهذه الرخصة دون الله، أو أن يقولوا: إنها جاءت إلى رسول الله من الله على لسان الملك(١) دون كتاب الله، ووجدناهم مجمعين معاً على أن هذه الرخصة جاءت في كتاب الله منصوصة، وهو قول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبۡتُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَقۡصُرُواْ مِنَ ٱلصَّلَوٰةِ إِنۡ خِفۡتُمۡ أَن يَفۡتِنَكُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْۚ إِنَّ ٱلۡكَٰفِرِينَ كَانُواْ لَكُمۡ عَدُوّٗا مُّبِينٗا ١٠١}[النساء]، علمنا أنه قصر صلاة الأمة لصلاتها عن صلاة إمامها في وقت حربها وخوفها دون ما قالوا به من قصر الأربع إلى الثنتين، وكنا نحن وهم مجمعين على هذا ولم يكن معهم حجة في أن الأمة جاءت بقصر الأربع إلى الثنتين، وكنا مخالفين لهم في ذلك، فكانت الحجة حجة من أقام البينة على دعواه، ولم تكن الحجة لمن لم يقم البينة على قوله ومعناه، وقد شرحنا حجتنا وبينا في أول الكلام بما فيه كفاية لمن أنصف من أهل الإسلام.
(١) ملك. نخ (٥).