المنتخب والفنون،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

مقدمة التحقيق

صفحة 17 - الجزء 1

  بالمزيد من عطائه وكرمه، وما اختص الله أهل اليمن بهذه النعمة إلا لأنهم مُحِبُّون للدين، مُحِبُّون لله ولرسوله ÷ ولأهل بيت رسوله À منذ بزوغِ فجر الرسالة، وهم أهل القلوب الرقيقة اللينة التي لا تتكبر على الحق ولا تعرض عن قبوله، وهذه قاعدة عامة أغلبية؛ ولهذه الصفات وفقهم الله ليكونوا سنداً لهذا الدين، وعوناً لحملته ومبلغيه عن رب العالمين.

  وبعد أن انتشر الجهل والطغيان في القرن الثالث الهجري قرر أهل اليمن أن يذهبوا إلى المدينة المنورة ليرتادوا لهم مُخَلِّصاً من أعلام هذا البيت النبوي؛ ويطلبوا منه أن يخرج معهم، ويترجَّوه أن يترك أهله وبلاده ويهاجر إليهم؛ ليوضح لهم معالم الدين القويم، ويدحض عنهم شبه الضالين والمبطلين.

  ولما كان الإمام الهادي # هو المشهور بين أهل بيته $، والذي تشرئب إليه الأعناق من علمائهم - أَلَحَّ عليه أهل اليمن بالخروج معهم؛ فأجابهم للخروج وكان ذلك في العام ٢٨٠ من الهجرة النبوية، إلا أنه لم يبق في اليمن إلا فترة قصيرة؛ لأنهم كانوا قد اعتادوا على كثير من المنكرات، وكان تغييرها عندهم أمراً صعباً بل يكاد يكون مستحيلاً؛ فرجع إلى الرس الواقع قريباً من المدينة المنورة وهو محل مقامه ومقام آبائه $.

  فلما فارق اليمنيين حلَّت بهم الفتن والمصائب، والقحط والحروب وغيرها؛ فعلموا أن لا خلاص لهم إلا بالصدق مع الله ومع الهادي إلى الحق القويم ليهديهم الصراط المستقيم؛ فرجعوا لمكاتبته في عام ٢٨٣ هـ وعاهدوه على إقامة الشريعة الغراء، ونصرته في الشدة والرخاء، فاستوثق منهم وخرج إليهم، ووصل إلى صعدة في العام ٢٨٤ هـ.

  وهذا كما ترى أيها المطلع يدل على أنه لم يأت اليمن غازياً لهم بالجيوش، ولم يخرج إليهم طمعاً في أموالهم وخيراتهم، وإنما أُخْرِج مكرهاً، وأجابهم إلى ذلك خوفاً من الله إنْ تَرَكَ إجابتهم وهم يدعونه لتعليمهم دينهم؛ لذلك فالباحث المنصف