المنتخب والفنون،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب في البينة على المنكر

صفحة 362 - الجزء 1

  قال: اقسم فضل ما بين السلعتين بينهما.

  قلت: وكيف يعلم فضل ما بينهما ولم تُرَ الأولى وهي غائبة؟

  قال: يسأل صاحبها والشهود عن قيمتها، فإذا ذكروا شيئاً استحلفوا عليه بالأيمان المغلظة، ثم قومت هذه الحاضرة، ثم نظر ما بينهما فقسم.

  قلت: فإن الشهود قالوا: لا نعرف قيمة هذه السلعة ولا نهتدي لها؛ لأننا لسنا من أهلها ولا ممن يعرفها؟

  قال: يصفونها وينعتونها ويحددونها لأهل البصر بمثلها، ثم يجتهد أهل البصر رأيهم في تقويمها، ويستحلف صاحبها من بعد على صدق تقويمهم، وأنهم قد قوموها بما تسوى ثم يحكم له بذلك.

  قلت: فإن كان صاحبها قد حلف أولاً وذكر قيمة ثم قومها هؤلاء الموصوفة لهم بأكثر من ذلك؟

  قال: ترد القيمة إلى ما عرف صاحبها.

  قلت: فإن قوموها دون ما حلف عليه من قيمهتا؟

  قال: القول قول المقومين.

  قلت: فكيف صدقته وجعلت القول قوله إذا قوموا أكثر، وأكذبته وجعلت القول قولهم إذا قوموا أقل؟

  قال: ألزمته قولهم إن ادعى أكثر؛ لأنهم قد جعلوا حكماً⁣(⁣١) بينه وبين خصمه، فلم نصدقه فيما ادعى من الزيادة على تقويمهم، وصدقته إذا قوموا أكثر مما قوم؛ لأنه أعرف بقيمتها، فلما كان قوله غير ناقص لصاحبه، ولا مذهب شيئاً من حقه صدقته بقوله لذلك، ولم أصدقه فيما أراد أن يتلف فيه شيئاً من حق صاحبه فكان في هذا الموضع الحكام أولى بالتصديق من تصديق الخصم على خصمه، فكان الحكم


(١) حكاماً. نخ (٥).