المنتخب والفنون،

الهادي يحيى بن الحسين (المتوفى: 298 هـ)

باب في شريكين اقتسما أرضا فوقعت لأحدهما بئر في أرض صاحبه

صفحة 561 - الجزء 1

  الكعبين، ثم يرسلوا الماء إلى من هو أسفل منهم، وكذلك يفعل الأسفلون حتى ينتهي السيل إلى آخر الضياع إن كان الماء كثيراً.

  قلت: فإن كان الماء ليس بالكثير الذي يبلغ إلى آخر الضياع؟

  قال: فالأعلى أولى بقليل الماء، وكذلك بلغنا عن رسول الله ÷ أنه قضى بين أهل المدينة في سيل مهزور⁣(⁣١)، وكان يصب فيها حتى حُوّل، فقال أهل أسفل الوادي: إن أهل أعلى الوادي يمسكون عنا الماء فحكم لهم بذلك إذا قل الماء.

  وسألته عن جماعة يكون بينهم ضياع، ولبعضهم فيها أكثر من بعض، فطلب بعضهم من بعض المقاسمة، فيقول منهم الذي له الأقل: اجمعوا لي ما يجب لي في هذه الضياع في موضع واحد، فإن الذي يجب لي في كل أرض لا ينفعني ولا يشترى مني إلا أن تجمعوه لي، فقالوا: لسنا نفعل، فخذ حقك في كل أرض، هل يجبرون على أن يجمعوا له حقه في موضع واحد، أم كيف العمل في ذلك؟

  قال: إن كان الأمر على ما ذكر هذا، أنه إذا قسم له في كل موضع لم ينفعه ببيع ولا زرع جبروا على أن يجمعوا له حقه كله إلى موضع واحد، لأن في تفريق ذلك ضرراً عليه، وقد قال رسول الله ÷: «لا ضرر ولا ضرار».

  قلت: فإن هؤلاء الجماعة بينهم عبد أو دابة، فقال واحد منهم لشركائه: اشتروا مني نصيبي في هذا العبد، فإني أحتاج إلى بيعه، فقالوا: لسنا نشتري ولا نحتاج إلى ذلك، فقال لهم: فبيعوا معي ما يجب لكم، فقالوا: لسنا نبيع، فبع أنت حقك، فقال لهم: لا يبتاع مني إلا مع ما لكم فيه، هل يجبرون على أن يبيعوا جميعاً؟

  فقال: إذا كان هذا على ما ذكر أنه محتاج إلى بيع ما له في العبد فقال لهم: اشتروا مني أو بيعوا معي، فقد أنصف في ذلك، والحكم في ذلك أن يجبروا على أن يشتروا منه أو يبيعوا معه كما قال.


(١) مهزور: وادي بني قريظة بالحجاز، فأما بتقديم الراء على الزاي فموضع سوق بالمدينة تصدق به رسول الله ÷ على المسلمين. (معجم نهاية).