شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

التمدح لا يقع لكونه لا يرى:

صفحة 161 - الجزء 1

  البينونة بينه وبين غيره من الذوات بهذا الذي قد ذكرتموه، لأن الأبصار كما لا تراه فكذلك لا ترى غيره.

  وبعد: فإن المراد بالأبصار المبصرون، إلا أنه تعالى علق الإدراك بما هو آلة فيه وعنى به الجملة، ألا ترى أنهم يقولون: مشت رجلي، وكتبت يدي، وسمعت أذني، ويريدون الجملة، وعلى هذا المثل السائر، يداك أوكتا وفوك نفخ.

  ثم إن لتعليق الشيء بما هو آلة فيه فائدة ظاهرة، لا تحصل تلك الفائدة إذا علقت بالجملة. بيان ذلك، أن أحدنا إذا قال كتبت، يحتمل أن يكون قد كتبه بنفسه، ويحتمل أن يكون قد استكتب غيره، وليس كذلك كتبت بيدي، ومشيت رجلي، فإنه لا يحتمل ذلك.

  وبعد: فإن هذا تفسير بخلاف تأويل المفسرين، فإن المفسرين من لدن الصحابة إلى يومنا هذا، على أن المراد بالإبصار المبصرون، إلا أنهم اختلفوا، فمن قائل إنه لا يدركه المبصرون في دار الدنيا، ومن قائل لا يدركه المبصرون في حال من الأحوال، وكل تأويل بخلاف تأويل المفسرين فهو كفتوى يكون بخلاف فتوى المفتين.

  فإن قيل: لو كان المراد بقوله تعالى {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ}، المبصرون، لوجب مثله في قوله {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ} أن يكون المبصرين، ليكون النفي مطابقا للإثبات، وهذا يقتضي أن يرى القديم نفسه لأنه من المبصرين، وكل من قال إنه تعالى يرى نفسه قال إنه يراه غيره.

  قيل له: إنه تعالى وإن كان مبصرا، فإنما يرى ما تصح رؤيته، ونفسه يستحيل أن ترى، لما قد بينا أنه يمدح بنفي الرؤية مدحا يرجع إلى ذاته، وما كان نفيه نفيا راجعا إلى ذاته فإن إثباته نقصا، والنقص لا يجوز على اللّه تعالى.

  وبعد: فإن المراد بقوله {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ} المبصرون بالأبصار، فكذلك في قوله {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ}، فيجب أن يكون هذا هو المراد ليكون النفي مطابقا للإثبات، واللّه تعالى ليس من المبصرون بالأبصار، فلا يلزم ما ذكرتموه.

  وبعد: فلا يجوز من اللّه تعالى أن يجمع بينه وبين غيره في الخطاب، بل يجب أن يفرد بالذكر تأديبا لنا وتعليما للتعظيم. وعلى هذا فإن أمير المؤمنين # لما سمع خطيبا يقول من أطاع اللّه ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، قال ليس خطيب القوم أنت، هلا قلت ومن يعصي اللّه ورسوله فقد غوى. فنهى عن الجمع بين