شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الأدلة العقلية:

صفحة 166 - الجزء 1

  والتكدير، حتى يقال في المثل: الانتظار يورث الاصفرار، والانتظار الموت الأحمر، وهذه الحالة غير جائزة على أهل الجنة.

  وجوابنا أن الانتظار لا يقتضي تنغيص العيش على كل حال، وإنما يوجب ذلك متى كان المنتظر لا يتعين وصول ما ينتظره إليه، أو يكون في جنس ولا يدري متى يتخلص من ذلك وهل يتخلص أم لا، فإنه والحال هذه يكون في غم وحسرة، فأما إذا تيقن وصوله فلا يكون في غم وحسرة، خاصة إذا كان في حال انتظاره في أرغد عيش وأهنئه، ألا ترى أن من كان على مائدة وعليها ألوان الطعام اللذيذة يأكل منها ويلتذ بها، وينتظر لونا آخر ويتيقن وصوله إليه، فإنه لا يكون في تنغيص ولا تكدير، بل يكون في سرور متضاعف، حتى لو قدم إليه الأطعمة كلها لتبرم بها. كذلك حال أهل الجنة لا يكونون في غم وتنغيص إذا كانوا يتقينون وصولهم إلى ما ينتظرون على كل حال.

الأدلة العقلية:

  ولما فرغ | من الاستدلال بالسمع على هذه المسألة استدل بالأدلة العقلية.

دليل المقابلة الرؤية بالحاسة:

  وبدأ منها بدلالة المقابلة، وتحريرها هو أن الواحد منا راء بحاسة، والرائي بالحاسة لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل، وقد ثبت أن اللّه تعالى لا يجوز أن يكون مقابلا، ولا حالا في المقابل، ولا في حكم المقابل.

  وهذه الدلالة مبنية على أصول:

  أحدها: أن الواحد منا راء بالحاسة.

  والثاني: أن الرائي بالحاسة لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلا أو حالا في المقابل أو في حكم المقابل.

  والثالث: أن القديم تعالى لا يجوز أن يكون مقابلا ولا حالا في المقابل.

  أما الأول، فالذي يدل عليه أن أحدنا متى كان له حاسة صحيحة، والموانع مرتفعة، والمدرك موجود، يجب أن يرى، ومتى لم يكن كذلك استحالة أن يرى،