شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

عودة إلى أن أفعال العباد محدثة منهم:

صفحة 224 - الجزء 1

  وكذلك فإنكم تذمون أحدنا على الإماتة والغرق والحرق وغير ذلك مع أن شيئا من ذلك لا يتعلق به.

  قلنا: أما الأول فليس على ما تظنونه، لأنا لا نحمد اللّه تعالى على الإيمان نفسه، وإنما نحمده على مقدماته من الإقدار. والتمكين وإزاحة العلة بأنواع الألطاف، وذلك وذلك موجود من قبل ومتعلق به فلا يلزم، ولهذا قال بعض أصحابنا حين أورد بعضهم هذا السؤال عليه بحضرة بعض الأكابر فقال: فإنا لا نحمد اللّه تعالى على ذلك وإنما اللّه يحمدنا عليه، فانقطع السائل. فقال المسؤول: شنعت المسألة فسهلت.

  وأما ما ذكرته ثانيا فليس كذلك أيضا، لأنا لا نذم أحدنا على الإماتة والغرق والحرق، وإنما ذممناه على مقدمات ذلك: ألا ترى أن من وضع صبيا تحت برد ليموت فإن ذمنا إياه ليس على الإماتة وإنما هو على إلقائه أو وضعه تحت البرد، وكذلك من ألقى صبيا في تنور ليحرقه اللّه تعالى، فإنا لا نذمه على الإحراق الموجود من قبل اللّه تعالى، وإنما نذمه على تقريبه من جهة النار وإلقائه فيها؟ نفسد ما ظننته، وصح الاستدلال بهذه الطريقة.

  فإن قال: ما أنكرتم أن الفصل بين الإحسان والإساءة، وبين حسن الوجه وقبيحة، راجع إلى أن أحدهما متعلق بنا من جهة الكسب بخلاف الآخر، لا إلى ما قلتموه؟ قيل له: إن مذهبكم في الكسب لا يعقل، ولو عقل فإنه متعلق باللّه تعالى فلا يبقى للفعل جهة تضاف إلينا، فكيف يصح ما ذكرتموه؟ فصح أن على هذا المذهب لا يتصور استحقاق المدح والذم، ويلزم أن يكون الظلم والكذب وغيرهما من الأفعال، كطول القامة وقصرها في أنه لا يصح استحقاق المدح والذم عليها البتة، وذلك يوجب قبح بعثة الأنبياء وبطلان الشرائع أصلا.

  وكما يلزم القوم على هذا المذهب أن لا يفرق بين المحسن والمسئ، وأن يرتفع المدح والذم والثواب والعقاب، ويلزمهم قبح بعثة الأنبياء، ويلزمهم أيضا أن يكون هو فاعل القبائح، لأنه إذا كان خالقا لأفعال العباد وفيها القبائح لزم ما ذكرناه، وذلك يوجب أن لا تقع لهم ثقة البتة بكتاب اللّه تعالى، وأن يجوزوا أن يبعث إليهم رسولا كاذبا ويظهر المعجز عليه، ليضلهم عن سواء السبيل، ويدعوهم إلى الكفر، ويصرفهم عن الإسلام، لأنه إذا جاز أن يفعل بعض القبائح جاز أن يفعل سائرها، إذ لا فرق بين بعضها وبين البعض في القبح.