شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

عودة إلى أن أفعال العباد محدثة منهم:

صفحة 225 - الجزء 1

  ومتى قيل: إن ذلك قبيح، واللّه تعالى غير موصوف بالقدرة على التفرد بالقبيح، قلنا: قد أجبنا عن هذا، وبينا أن اللّه تعالى موصوف بالقدرة على ما لو فعله لكان قبيحا، وذلك أنه لو لم يقدر على التفرد بذلك تقديرا، فإنه يقدر على أن يجعله كسبا لبعض العباد، فيلزم ما ذكرناه.

  وكما أن هذا لازم لهم، فكذلك يلزمهم أن لا يثبت لرسل اللّه تعالى حجة على الكفرة، لأن للكافر أن يقول إن كنت رسولا فلا أقل من أن تكون رسالتك موافقة لمراد الرسل، فكيف تدعونا إلى الإسلام، ومن أرسلك إلينا أراد منا الكفر وخلقه فينا، وجعلنا بحيث لا يمكننا الانفكاك عنه؟.

  ويلزم انقطاع الرسل من وجه آخر، وهو أن يقال لهم: إلى ما ذا تدعونا إليه؟ فإن كنتم تدعونا إلى ما خلقه اللّه تعالى فينا، فإن ذلك مما لا فائدة فيه، وإن كنتم تدعونا إلى ما لم يخلقه اللّه تعالى فينا، فذلك مما لا نطيق ولا نتمكن منه.

  ويلزمهم التسوية بين الرسول وبين إبليس، لأن الرسول يدعوهم إلى خلاف ما أراده اللّه تعالى منهم، كما أن إبليس يدعوهم إلى ذلك. بل يلزمهم أن يكون حال الرسول أسوأ من حال إبليس، لأن إبليس إنما يدعوهم إلى خلافه، وكل مذهب يقتضي ذلك ويؤدي إليه فكافيك به فسادا.

  ويلزمهم أيضا قبح الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن الأمر لا يخلو:

  إما أن يكون أمرا بالواقع، وذلك قبيح ويجري في القبح مجرى أمر المرمي من شاهق بالنزول.

  وإن كان أمرا بما لا يقع، فإن المأمور غير قادر عليه عندهم لقولهم بالقدرة الموجبة، فيكون الأمر به أمرا بما لا يطاق، وتكليف ما لا يطاق قبيح.

  وهكذا الكلام في النهي عن المنكر، لأنه إن كان نهيا عن الواقع، فإن ذلك قبيح ولا فائدة فيه، وإن كان نهيا عما لم يقع، فإن ذلك نهي عما لم يقدر عليه وذلك قبيح أيضا، ويجري في القبيح مجرى نهي الزمن عن العدو.

  فإن قيل: الاستدلال بحسن المدح والذم والأمر والنهي على أن محدثون لتصرفاتنا استدلال بفرع الشيء على أصله، لأنا ما لم نعلم أن أحدنا محدث لتصرفه لم