شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

عودة إلى تحقيق الأدلة على القوم:

صفحة 235 - الجزء 1

  المعنى واختلافهما في الاشتقاق، ولهذا فإن القعود والجلوس معناها واحد، ثم القعود مشتق من قعد، والجلوس مشتق من جلس.

  الوجه الثاني: في ذلك هو أن نقول: إن أهل اللغة لما اعتقدوا في الواحد منا أنه أضر بالغير الضرر الذي ذكرناه، سموه ظالما، ومتى لم يعتقدوا ذلك فيه لم يسموه به كما أنهم لما اعتقدوا تعلق الضرب والشتم بالواحد منا تعلق الفعل بفاعله سموه ضاربا وشاتما، فكما أن الضرب والشتم اسم لن فعل الضرب والشتم، فكذلك الظالم يجب أن يكون اسما لمن فعل الظلم.

  فإن قيل: إنهم أخطئوا في الاعتقاد. قلنا: هب أنهم أخطئوا في الاعتقاد، أليسوا قد أصابوا في هذه التسمية؟ وهذا القدر كاف. وصار ذلك كتسمية الأصنام آلهة لاعتقادهم أنها تستحق العبادة، فكما أن خطأهم في الاعتقاد لم يمنع من إصابتهم في التسمية، كذلك هاهنا.

  فإن قيل: لم لا يجوز أن يكون الظالم اسما لمن حله الظلم؟ قلنا لا لو كان كذلك لوجب لو تفرد اللّه تعالى بالظلم أن لا يكون ظالما، وعندكم أنه تعالى لو تفرد بالظلم لكان ظالما.

  وبعد، فإن الظالم لو كان اسما لمن حله الظلم لوجب أن ترجع أحكامه إلى محله، فيذم اللسان إذا شتم، والرجل إذا ركلت، واليد إذا لطمت، ومعلوم خلافه.

  وصار هذا كما تقوله الكلابية إذ جعلوا التكلم اسما لمن حله الكلام، وكان يجب أن يكون اللسان هو القاذف، لأنه هو الذي حله القذف، أن يكون هو الرسول أيضا، لأنه الرسالة والبلاغة إنما تحصلا له به، ويحلانه وهذا يوجب أن يجلد ويستخف به للقذف، ويعظم ويبجل للرسالة، وهذا محال.

  وبعد، فإن حقيقة الظلم: كل ضرر لا نفع فيه ولا دفع ضرر، ولا استحقاق، ولا الظن لأحد الوجهين المتقدمين، ولا يكون في الحكم كأنه من جهة المضرور، ولا يكون كأنه من جهة غير فاعل الضرر، وهذا إنما يحل المظلوم دون غيره، فيجب أن يكون هو الظالم.

  وبعد، فلو جاز أن يقال إن الظالم اسم لمن حله الظلم لجاز مثله في العادل، فيوجب أن لا يوصف اللّه تعالى بأنه عادل، كما لا يوصف بأنه ظالم.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن الظالم اسم لمن جعل الظلم ظلما له؟ قلنا: لو كان