شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

عودة إلى تحقيق الأدلة على القوم:

صفحة 236 - الجزء 1

  كذلك، لوجب إذا تفرد اللّه تعالى بالظلم أن لا يكون ظالما لأنه لم يجعل الظلم ظلما له، وعندكم أنه تعالى لو تفرد بالظلم لكان ظالما.

  وبعد، فإن الظلم لو كان بجعل الجاعل، لوجب أن يجعله ظلما لهذا دون ذاك، أو ذاك دون هذا، وصار الحال فيه كالحال في كون الكلام أمرا ونهيا وخبرا، فإنه لما تعلق بالفاعل، صح من الفاعل أن يوجده فيجعله أمرا، وأن يوجده فيجعله نهيا، وأن يوجده فيجعله أمرا، لهذا دون ذلك، وقد عرف خلافه.

  وبعد فلو كان كذلك، لوجب في من لا يعلم أن الظالم هو من جعل الظلم ظلما له: أن لا يعلمه ظالما، ومعلوم أن العرب يعلمون الظالم ظالما وإن لم يعلموا أن الظلم جعل ظلما له.

  وبعد، فإنا نقول لهم: ما تريدون بقولكم إن الظالم هو من جعل الظلم ظلما له؟

  أتريدون به أن الظلم خلق فيه؟ أو تريدون أنه جعل كسبا له؟ فإن أردتم به أنه جعل كسبا له، فذلك مما لا يعقل على ما سيجيء من بعد إن شاء اللّه تعالى، وإن أردتم به أنه خلق فيه، فهو نفس مذهبكم الذي نروم إفساده بهذه الدلالة فلا يصح الاعتراض به عليها، وهذا أصل كبير: إن كل دلالة نصبت لإفساد مذهب من المذاهب، فالاعتراض على تلك الدلالة بنفي ذلك المذهب لا يصح، فيجب أن يراعى هذا الأصل ويحافظ عليه.

  وبعد، فلو كان الظالم اسما لمن جعل الظلم ظلما له، لوجب أن يكون الرازق اسما لمن جعل الرزق رزقا له، والعادل اسما لمن جعل العدل عدلا له، وكذلك الكلام في المحسن، والمنعم، والمتفضل، وما يجري هذا المجرى لأنه لا فرق بين الموضعين. ولو ارتكب، قلنا، فكان يجب أن لا يوصف القديم تعالى بشيء من هذه الأسماء، وقد عرف خلافه.

  فإن قيل: ما أنكرتم أن الظالم اسم لمن تفرد بالظلم، واللّه تعالى غير منفرد بالظلم، فلا يجب أن يسمى ظالما. قلنا: لو كان كذلك لوجب أن لا يكون في عالم اللّه تعالى ظالم، لأن العباد غير منفردين بالظلم.

  وبعد، فلو وجب هذا في الظالم، لوجب أيضا في العادل، والخالق، والرازق، ولو ارتكبوا ذلك، قلنا: فيجب على هذا أن لا يوصف القديم تعالى بشيء من هذه الأوصاف، والمعلوم خلاف ذلك.