شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

حقيقة الكسب:

صفحة 247 - الجزء 1

  فاعل في الشاهد.

  وأيضا، فإن هذا يقتضي أن يكون للفاعل وقدرته فيه تأثير، وذلك خلاف ما ذهبتم إليه، لأن عندكم أن هذا الفعل يتعلق باللّه تعالى، إن شاء أبصره مع القدرة، وإن شاء أبصره ولا قدرة.

  وأيضا: فلو جاز أن يقال: هذه الأفعال كسب لنا مع أنها متعلقة باللّه تعالى على سائر وجوهها، لجاز في القدرة مثله. فيقال: إنها كسب لنا وإن لم تتعلق بنا البتة. فإن قالوا: إن الكسب ما وقع وكانت القدرة قدرة عليه على ما يقوله بعضهم، فإن ما ذكرناه في الحد الأول يعود هاهنا فلا معنى لإعادته.

  ونقول أيضا: وعلى أي وجه تكون القدرة قدرة عليه؟ فإن قالوا على وجه الإحداث، فقد تركوا مذهبهم ونقضوا غرضهم، وإن قالوا على وجه الكسب، فقد فسروا الكسب بنفسه.

  فإن قالوا: الكسب هو ما وقع باختيار الفاعل، فإن ما ذكرناه من الوجوه الثلاثة على الحد الأول والثاني يعود هاهنا، ويختص هذا الحد وجهان آخران أو أكثر أحدهما، أن هذا يوجب فيما يقع من الساهي أن لا يكون كسبا له، وقد عرف خلافه.

  والثاني، أن هذا يقتضي أن المتولد كسب لنا كالمباشر، لأنه يقع باختيار الفاعل كما أن المباشر يقع باختياره، ألا ترى أن الكتابة والبناء يقعان باختيار الفاعل لهما مع أنهما من التولدات.

  وأيضا، فإن هذا يوهم أن الاختيار متعلق بالفاعل، لأنكم أضفتموه إليه، وعندكم أن الاختيار كالمختار في أن لا يتعلق بالفاعل.

  وأيضا، فإن عندكم أنه لا فاعل في الشاهد، فكيف حددتم الكسب به؟ ومتى قلتم: إنا نعني به الكسب، فقد فسرتم الشيء بنفسه، وذلك مما لا يخفى فساده.

  فإن قالوا: قد وجدنا تفرقة بين الحركة الاختيارية والحركة الاضطرارية، وعلمنا تعلق إحداها بنا دون الثانية، فجعلنا الكسب عبارة عن هذه التفرقة.

  قلنا: كيف يمكنكم ذلك مع أن كلتي الحركتين موجودتان من جهة اللّه تعالى؟

  ولئن ثبت هذه التفرقة، فإنما تثبت على مذهبنا، إذا جعلنا إحدى الحركتين متعلقة بنا من طريق الحدوث دون الطريق الأخرى.