شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

حقيقة الكسب:

صفحة 248 - الجزء 1

  وبعد، فإذا كان كل واحدة من الحركتين متعلقة باللّه تعالى، فليس إحداهما بأن تجعل كسبا لنا أولى من الأخرى، فكان يجب أن يجعل كل واحدة منهما كسبا لنا، أو يقضي بأن شيئا من ذلك لا يتعلق بنا لا من جهة الكسب ولا من غيره.

  وبعد، فإن هذه التفرقة ثابتة في المتولدات ثباتها في المباشر، فكان يجب أن يجعل المتولدات كسبا لنا، والمعلوم خلافه.

  وبعد، فإن دل هذا على أن إحدى الحركتين متعلقة بنا من جهة الكسب، ليدلن أيضا على أنها متعلقة بنا من جهة الحدوث، وإلا فما الفرق؟

  فإن قالوا: إنا نعني بالكسب وقوع هذه الحركات، قياما مرة، وقعودا أخرى، هذا من أفعال من الجوارح، ومن أفعال القلوب، فوقوع الاعتقاد علما مرة، وجهلا أخرى.

  قلنا: إن الوقوع إن لم يفسر بالحدوث فلا بد من أن يفسر بالكسب، فيكون تفسير الشيء بنفسه، وذلك مما لا يجوز.

  بعد، فإن القيام والقعود راجع إلى جملة أفعال، والكسب فمن حقه أن يرجع به إلى كل جزء من الفعل، فكيف يصح ما ذكرتموه؟.

  وقد قال مشايخنا رحمهم اللّه: إن الكسب لو كان معقولا لكان يجب أن نسمي القديم تعالى مكتسبا، والمعلوم خلافه.

  ووجه هذا الإلزام وجهان:

  أحدهما: أن اللّه تعالى قادر لذاته، ومن حق القادر لذاته أن يكون قادرا على جميع أجناس المقدورات، وعلى جميع الوجوه التي يصح أن يقدر عليها، ومن الوجوه التي يقدر عليها الكسب، فيجب أن يكون تعالى قادرا عليه، فإذا قدر عليه وفعله وجب أن يسمى مكتسبا على ما ذكرناه.

  والوجه الثاني: هو أن هذه التصرفات عند القوم متعلقة باللّه تعالى على سائر صفاتها ووجوهها، ومن وجوه الأفعال الكسب، فيجب تعلقه به من هذا الوجه، وفي ذلك ما نريده.

  فإن قالوا: ليس يجب أن يكون اللّه تعالى مكتسبا، لأن الكسب هو ما يقع بقدرة محدثة.