شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

معنى التوهم: الظن المخصوص، (وهو غير الاعتقاد):

صفحة 267 - الجزء 1

  له. ولعلهم بنوا ذلك على أن أحدنا لا يجوز أن يكون محدثا لتصرفه، وأنهم لما أثبتوا اللّه تعالى محدثا على الحقيقة، قالوا: إن قدرته متقدمة لمقدورها غير مقارنة له.

  ونحن إذا دللنا على فساد مذهبهم دخل تحت ذلك صحة ما ذهبنا إليه، لأنها إذا لم تكن مقارنة لمقدورها لم يكن بد من أن تكون متقدمة له.

  والذي يدل على فساد مذهبهم، هو أنه لو كانت القدرة مقارنة لمقدورها لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق، إذ لو أطاقه لوقع منه، فلما لم يقع منه دل على أنه غير قادر عليه، وتكليف ما لا يطاق قبيح، واللّه تعالى لا يفعل القبيح.

  وإن شئت بنيت هذه الدلالة على أصل آخر، فتقول: إن القدرة صالحة للضدين، فلو كانت مقارنة لهما لوجب بوجودها وجود الضدين، فيجب في الكافر وقد كلف الإيمان أن يكون كافرا مؤمنا دفعة واحدة، وذلك محال.

  ومتى قالوا: ومن أين أن القدرة صالحة للضدين؟ قلنا: من حيث إنها لو لم تكن صالحة للضدين، لوجب أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق، وذلك قبيح، واللّه تعالى لا يفعل القبيح.

  فإن قيل: لا يلزم أن يكون تكليف الكافر بالإيمان تكليفا لما لا يطاق لأن فيه القدرة، قيل له: إن ما فيه من القدرة لا يخلو، إما أن تكون قدرة على الإيمان، أو على غير الإيمان. فإن كانت قدرة عليه وجب حصوله لأنها موجبة عندكم، وإن كانت قدرة على غيره فإن وجود تلك القدرة وعدمها سواء، أو يكون سبيله سبيل اللون إذا وجد فيه، فكما أن ذلك لا يوجب حسن التكليف، كذلك هذا.

  فإن ارتكبوا تكليف ما لا يطاق، كان في ذلك خروج عن الإسلام وانسلاخ عن الدين، لأن الأمة من لدن النبي إلى اليوم الذي وقع فيه الخلاف لم يجوزوا ذلك على اللّه تعالى. فإن قالوا: إنما لا يجوز عليه لما اعتقدوا فيه القبح ولم يثبت قبح هذا التكليف، قلنا: إن المنع من قبح ما هذا سبيله مما لا وجه له، فإن كل عاقل يعلم بكمال عقله أن تكليف الأعمى بنقط المصحف على جهة الصواب وتكليف الزمن بالمشي قبيح، اللهم إلا إذا كان الكلام في وجه قبحه فينازع الخصم في ذلك ويقول:

  لا أسلم أنه إنما قبح لكونه تكليفا لما لا يطاق. والذي يدل على إن هذا هو الوجه في قبحه لا غيره، هو أنه متى علمناه على هذه الصفة علمنا قبحه وإن لم نعلم شيئا آخر،