شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

الكلام على النجارية:

صفحة 272 - الجزء 1

  التكليف. فإن قالوا: إن بينهما فرقا، فإن العاجز فيه ضد الإيمان بخلاف الكافر، قيل لهم: إذا كان إنما لا يصح الإيمان من العاجز لأنه ليس فيه القدرة عليه بل فيه ضدها، والكافر إذا شاركه في أن لا قدرة له على الإيمان وجب أن لا يحسن تكليفه أيضا.

  يبين ذلك ويوضحه، أنه إذا لم يحسن تكليف العاجز لأن فيه ضدا واحدا، فلأن لا يحسن تكليف الكافر وفيه أربعة أضداد، هي الكفر، وقدرة الكفر وإرادة الكفر والقدرة الموجبة للإرادة الموجبة للكفر أولى وأحق.

  فإن قالوا: إن الكافر يصح منه الإيمان ويجوز ويتوهم، بخلاف العاجز. قلنا:

  إذا لم يصح الإيمان بشيء من هذه الأشياء على ما ذكرناه، فقد استويا على أن التجويز بما تقدم إنما هو الشك، والتوهم على ما مر ظن مخصوص، والصحة إنما تستعمل في نفي الاستحالة، وشيء من ذلك فغير ثابت في الكافر، إذ لا شك في أنه لا يمكنه الإيمان ولا يظن، وينفي عنه استحالة وقوع الإيمان مع ما فيه من الكفر والقدرة الموجبة له والقدرة الموجبة للإرادة الموجبة له.

  ثم يقال لهم: ما تعنون بقولكم: إنه يصح منه الإيمان أو يجوز أو يتوهم؟ فإن أردتم به أنه يصح منه مع ثبوت هذه الأضداد فيه فقد أحلتم، لما في ذلك من اجتماع المتضادات فيه، وإن أردتم به أنه يصح منه ذلك بشرط أن لا يكون كان فيه الكفر والقدرة الموجبة له، وكان بدله الإيمان والقدرة الموجبة للإيمان، فإن ذلك تجويز البدل عن الموجود، وتعليق وجود الشيء، بانتفاء أم قد ثبت، وذلك محال.

  على أن هذه الطريقة ثابتة في العاجز، فيقال: صح منه الإيمان بشرط أن لا يكون كان فيه العجز وكان بدله القدرة، فكيف يقع الفرق بينهما والحال هذه؟ قالوا:

  الكافر مطلق مخلى، بخلاف العاجز فإنه ممنوع، قلنا. أول ما في هذا، أن الإيمان لا يفعل بالإطلاق والتخلية وإنما يفعل بالقدرة، وهو لم يعط القدرة.

  ثم يقال لهم: ما تريدون بقولكم إن الكافر مطلق مخلّى؟ فإن أردتم به أنه مطلق مع ثبوت هذه الأضداد فيه فذلك لا يصح لاستحالة اجتماع الضدين فيه، وإن أردتم به أنه مطلق بشرط أن لا يكون كان فيه هذه الأضداد وكان بدلها الاطلاق والتخلية، فذلك تجويز البدل عن الموجود وتعليق وجود الشيء بانتفاء أمر آخر قد وجد. على أن الإطلاق والتخلية إنما يوصف به القادر إذا لم يكن ممنوعا، ألا ترى أنه لا يقال في الزمن أنه مطلق مخلى بينه وبين المشي، وكذلك لا يقال في المقصوص الجناح أنه مطلق مخلى بينه وبين الطيران، والكافر غير قادر على الإيمان فكيف يوصف بالإطلاق