شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

أقسام الآلات:

صفحة 278 - الجزء 1

  كالوصلة إلى الفعل من الآلات نحو القوس وغيرها؛ ومعلوم أن ما هذا سبيله يجب فيها التقدم. والذي يبين لك أن القدرة كالوصلة إلى الفعل، هو أن الفعل إنما يحتاج إلى القدرة لخروجه من العدم إلى الوجود، وإذا كان محتاجا إليها في هذا الوجه وجب ما ذكرناه؛ والذي يدل على أن الفعل إنما يحتاج إلى القدرة لخروجه عن العدم إلى الوجود، هو أنه لا يخلو؛ إما يكون محتاجا إليها لهذا الوجه، أو لغيره: لا يجوز أن يكون محتاجا إليها لغير هذا الوجه لأن احتياج الفعل إلى القدرة ظاهر، فلا يخلو، إما أن يكون محتاجا إليها في حالة الوجود والحدوث، أو في حالة العدم. لا يجوز أن يكون محتاجا إليها في حالة الوجود لأن حالة الوجود حالة الاستغناء عنها، فليس إلا أن يحتاج إليها في حالة العدم على ما نقوله.

  فإن قيل: ولم قلتم: إن حالة الوجود وحالة الاستغناء؟ قلنا: لأن الفعل لو لم يستغن عن القدرة في حالة الحدوث لم يستغن أيضا في حالة البقاء، والمعلوم خلافه.

  فإن قيل: ولم جمعت بينهما؟ قلنا: لأن الذي أوجب احتياجه إلى القدرة في إحدى الحالتين ثابت في الحالة الأخرى ومع ثبات ذلك الوجه لم يجز الافتراق في الحاجة بحسب اختلاف حالتي الحدوث والبقاء، لأن كل حكم ثبت للذات في حالة الحدوث لعلة من العلل يجب ثباته في حالة البقاء لمكان تلك العلة، ألا ترى أن الجوهر لما وجب أن يكون متحيزا في حالة الحدوث لكونه مقتضى من صفة الذات وجب ذلك أيضا في حالة البقاء، ولما صح أن يكون كائنا في هذه الجهة بدلا من هذه لتحيزه في حالة الحدوث صح ذلك في حالة البقاء، ولما استحال أن يكون مجتمعا مفترقا في حالة الحدوث لاستحالة اجتماع الضدين استحال ذلك في حالة البقاء أيضا؟

  فصح بما قلناه: أن الفعل لو احتاج إلى القدرة في حالة الحدوث لوجب احتياجه إلى القدرة في حالة البقاء، والمعلوم خلافه.

  فإن قيل: كيف يصح هذا وعندكم أن الفعل يحسن في حالة الحدوث ولا يحسن في حالة البقاء؟ قلنا: إنما كان ذلك كذلك لأن الفعل إنما يحسن لوقوعه على وجه ويقبح لوقوعه على وجه وذلك تابع للحدوث، فصح ما قلناه. وهكذا الجواب إذا قالوا: أليس المنع يكون منعا في حالة الحدوث ولا يكون كذلك في حالة البقاء، لأنه إنما يكون منعا لتعلقه بالفاعل ولذلك اختص حالة الحدوث، بخلاف الفعل عندهم فإنه إنما يتعلق بالقدرة لوجوده، وذلك في حالة البقاء كهو، في حالة الحدوث.

  وأحد ما يدل على أن القدرة لا تتعلق بالموجود، هو أنه لو تعلقت قدرتنا