شرح الأصول الخمسة،

أحمد بن الحسين مانكديم (المتوفى: 420 هـ)

إذا جاز أن يكلف الله الكافر بالإيمان مع علمه أنه لا يؤمن ولا يقبح ذلك من جهة الله فهلا جاز أن يكلفه مع العلم بأنه لا يقدر عليه ولا يقبح منه:

صفحة 283 - الجزء 1

  القيامة الآن لعلمه أنه لا يقيمها، ومعلوم خلافه.

  وعند هذا الإلزام افترقوا فمنهم من ارتكب ذلك وقال: إنه تعالى لا يقدر ومنهم من لم يرتكب، فزعم أنه قادر على ذلك.

  فمن لم يرتكب ذلك، لم يمكنه القول بأن القدرة على خلاف المعلوم محال، لأنه لا فرق في هذه القضية بيننا وبين اللّه تعالى.

  ومن ارتكب ذلك، يلزمه القول أن يكون اللّه تعالى غير قادر على خلق البياض في الزنجي بدلا من السواد، والسواد في الرومي بدلا من البياض، وذلك يوجب أن لا يكون القديم تعالى مخيرا في أفعاله، وقد علمنا خلاف ذلك.

  قالوا: القدرة على خلاف المعلوم قدرة على تجهيل اللّه تعالى. قلنا: إن الجهل هو ما به يصير الذات جاهلا، والذات إنما يصير جاهلا بالجهل، والإيمان ليس من الجهل في شيء، فكيف يصح قولهم: إن الكافر لو كان قادرا على الإيمان لوجب أن يكون قادرا على تجهيل اللّه تعالى.

  ثم يقال لهم: يلزمكم على هذا القول إذا أقدر اللّه الكافر على الإيمان أن يكون قد أقدره على تجهيل نفسه، وإذا أمره بالإيمان ورغبه فيه ووعده بالثواب الجزيل عليه أن يكون قد أمره بتجهيل نفسه ورغبه فيه، وذلك كفر من مرتكبه.

  ويلزمهم أيضا، أن يكون قد بعث اللّه الرسل إلى الكفرة ليجهلوه، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.

  قالوا: لو قدر الكافر على خلاف ما علمه اللّه تعالى من حاله لصح وقوعه منه لأن هذا هو الواجب في القادر على الشيء، ولو صح وقوعه منه لوجب وقوعه في بعض الحالات، وذلك يوجب كون القديم تعالى جاهلا.

  قيل له: لم وجب إذا صح منه خلاف المعلوم أن يقع في بعض الحالات، أليس أحدنا مع قدرته على السفر لا يسافر البتة، بل يقي طول عمره؟.

  فإن قال: لو قدرنا أن يقع منه خلاف ما علمه اللّه تعالى ولا يمكنكم المنع من هذا التقدير للزم أن يصير جاهلا وأن يكون قد تغير حاله في كونه عالما، لأنه كان يعلم أن هذا الفعل لا يوجد، والآن فلا بد من أن يعلم وجوده، وهذان الاعتقادان متضادان.